وكلُّ هذه القراءاتِ متقاربات، وجميعها صوابٌ؛ لأنها معروفة في لغاتِ العرب مشهورة في منطقها.
وقوله: ﴿فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم﴾. يقولُ: فما آتَانِيَ اللَّهُ من المالِ والدنيا أكثر مما أعطاكم منها وأفضل.
﴿بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ﴾. يقولُ: ما أفرح بهديتكم التي أَهْدَيْتُم إليَّ، بل أنتم تَفرحون بالهدية التي تُهدى إليكم؛ لأنكم أهلُ مفاخرة بالدنيا ومكاثرةٍ بها، وليست الدنيا وأموالها من حاجتي؛ لأن الله تعالى ذكره قد مكَّنني منها، وملَّكنى فيها ما لم يُملك أحدًا.
﴿ارْجِعْ إِلَيْهِمْ﴾. وهذا قول سليمان لرسول المرأةِ: ﴿ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُم بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُم بِهَا﴾: لا طاقة لهم بها، ولا قدرةَ لهم على دَفْعِهم عما أرادوا منهم.
وبنحوِ الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويلِ.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمةُ، عن ابن إسحاق، عن بعض أهل العلمِ، عن والخيلُ وهبِ بن منبِّه، قال: لما أتتِ الهدايا سليمانَ، فيها الوصائفُ والوُصفاء، والخيل العِرابُ، وأصناف من أصناف الدنيا، قال للرسل الذين جاءوا به: ﴿أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ (٣٦)﴾؛ لأنَّه لا حاجةَ لي بهديتكم، وليس رأيى فيه كرأيكم، فارجعوا إليها بما جئتم به من عندِها، ﴿فَلَنَأْتِيَنَّهُم بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُم بِهَا﴾ (١).
(١) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٩/ ٢٨٨٠، ٢٨٨١ من طريق سلمة، عن ابن إسحاق، عن يزيد بن رومان قوله.