للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

السحرةُ.

ولكن اكتُفى بدَلالةِ قولِه: ﴿فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ﴾ على ذلك، فتُرِكَ ذِكْرُه. وكذلك بعدَ قولِه: ﴿أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ﴾ محذوفٌ أيضًا قد تُرِكَ ذكرُه، وهو: فألْقَوْا حبالَهم وعِصِيَّهم - ﴿فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى﴾ - ولكن اكتفى بدَلالةِ ما ظَهَر من الكلامِ عليه، فتُرِكَ ذكرُه.

القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: ﴿فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ (٨١)﴾.

يقولُ تعالى ذكرُه: فلمَّا الْقَوا ما هم مُلْقُوه قال لهم موسى: ما جِئْتُم به السِّحرُ. ما واختَلَفَت القرأةُ فى قراءةِ ذلك؛ فقرأَته عامةُ قرأةِ الحجازِ والعراقِ: ﴿مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ﴾ (١)، على وَجهِ الخبرِ مِن موسى عن الذي جاءت به سَحَرة فرعونَ أنه سِحرٌ، كأن معنى الكلامِ على تأويلِهم: قال موسى: الذي جَئْتُم به أيُّها السَّحَرَةُ.

وقَرَأَ ذلك مجاهدٌ وبعضُ المدنيِّين وبعضُ البصريِّين: (ما جئتم به السحرُ) (٢) على وجهِ الاستفهامِ مِن موسى إلى (٣) السَّحَرةِ عما جاءوا به: أسحرٌ هو أم غيرُه؟

وأولى القراءتَين في ذلك عندى بالصوابِ (٤) قراءةُ من قَرأه على وَجهِ الخبرِ لا على الاستفهامِ؛ لأن موسى صلواتُ اللهِ وسلامُه عليه لم يكن شاكًّا فيما جاءت به السَّحرةُ أنه سحرٌ لا حقيقةَ له، فيحتاجُ إلى استخبارِ السَّحَرةِ عنه: أىُّ شيءٍ هو؟


(١) بغير مدٍّ ولا همزٍ، وهى قراءة السبعة غير أبي عمرو السبعة لابن مجاهد ص ٣٢٨.
(٢) بالمد والهمز، وهى قراءة أبي عمرو وأبي جعفر المدنى، ومجاهد وأصحابه. الإتحاف ص ١٥٢، والبحر المحيط ٥/ ١٨٢.
(٣) سقط من: الأصل، ص، ت ١، ت ٢، س، ف.
(٤) القراءتان كلتاهما صواب