للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يقولُ تعالى ذكره: ﴿وَمِنْ رَحْمَتِهِ﴾ بكم أيُّها الناسُ ﴿جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ﴾، فخالف بينهما، فجعَل هذا الليلَ ظلامًا؛ ﴿لِتَسْكُنُوا فِيهِ﴾ وتَهْدَءُوا وتَسْتَقِرُّوا لراحةِ أبدانِكم فيه من تعبِ التصرُّفِ الذى تَتَصَرَّفون نهارًا لمعايشِكم. وفى الهاء التي في قولِه: ﴿لِتَسْكُنُوا فِيهِ﴾ وجهان؛ أحدُهما: أن تكونَ من ذكرِ الليل خاصةً، ويُضْمَرُ للنهار مع الابتغاءِ هاءٌ أخرى. والثاني: أن تكونَ من ذكرِ الليلِ والنهارِ، فيكونَ وجهُ توحيدِها وهى لهما (١)، وجهَ توحيدِ العربِ في قولِهم: إقبالُك وإدبارُك يُؤذيني؛ لأن الإقبالَ والإدبارَ فعلٌ، والفعلُ يُوحَّدُ كثيرُه وقليلُه: وجعَل هذا النهارَ ضياءً تُبْصِرون فيه، فتَتَصَرَّفون بأبصارِكم فيه لمعايشِكم، وابتغاءَ رزقِه الذى قسَمَه بينكم، بفضله الذي تفضَّل عليكم.

وقولُه: ﴿وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾. يقولُ تعالى ذكره: ولتَشكُروه على إنعامِه عليكم بذلك، فعل ذلك بكم لتُفْرِدوه بالشكرِ، وتُخلِصوا له الحمدَ؛ لأنه لم يَشْرَكْه في إنعامِه عليكم بذلك شريكٌ، فلذلك ينبغى ألا يَكونَ له شريكٌ في الحمدِ عليه.

القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: ﴿وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (٧٤) وَنَزَعْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا فَقُلْنَا هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (٧٥)﴾.

يَعْنى تعالى ذكره: ويومَ ينادى ربُّك يا محمدُ هؤلاء المشركين فيقولُ لهم: ﴿أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ﴾ أَيُّها القومُ في الدنيا أنهم شركائى؟

وقولُه: ﴿وَنَزَعْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا﴾: وأحضَرنا من كلِّ جماعةٍ شهيدَها، وهو نبيُّها الذي يَشْهَدُ عليها بما أجابته أمتُه، فيما أتاهم به عن اللهِ مِن


(١) في ص، ت ١، ت ٢: "لها".