للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذَهَب بالآخَرِ، ولكنْ أدُلكما على اسمٍ يَبْقَى لكما ما بَقيتما فسَمِّياه عبدَ شمسٍ (١). قال: فذلك قولُ اللَّهِ : ﴿أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ﴾. آلشمسُ تَخْلُقُ شيئًا حتى يكونَ لها عبد؟! إنما هي مخلوقةٌ، وقد قال رسولُ اللَّهِ : "خَدَعَهما مَرَّتَيْن (٢)؛ خدَعهما في الجنةِ، وخدَعهما في الأرضِ" (٣).

وقيل: ﴿وَهُمْ يُخْلَقُونَ﴾. فَأَخْرَج مَكْنِيَّهم مُخْرَجَ مَكْنِيِّ بنى آدمَ (٤)، وقد قال: ﴿أَيُشْرِكُونَ مَا﴾، فَأَخْرَج ذِكْرَهم بـ "ما" لا بـ "مَنْ" مُخرجَ الخَبرِ عن غيرِ بني آدمَ؛ لأنَّ الذي كانوا يَعْبُدونه إنما كان حَجَرًا أو خشبًا أو نُحاسًا، أو بعضَ الأشياءِ التي يُخْبَرُ عنها بـ "ما" لا بـ "مَنْ"، فقِيل لذلك: "ما". ثم قِيل: "وهم". فأُخْرِجَتْ كنايتُهم مُخرجَ كنايةِ بنى آدمَ؛ كان الخبرَ عنها بتعظيمِ المشركيَن إياها نظيرُ الخبِر عن تعظيمِ الناسِ بعضِهم بعضًا.

القولُ في تأويلِ قولِه: ﴿وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (١٩٢)﴾.

يقولُ تعالى ذِكرُه: أَيُشْرِكُ هؤلاء المشركون في عبادةِ اللَّهِ ما لا يَخْلُقُ شَيْئًا مِن خَلْقِ اللَّهِ، ولا يستطيعُ أن يَنْصُرَهم، إن أراد اللَّهُ بهم سوءًا، أو أَحَلَّ بهم عقوبةً، ولا هو قادرٌ إنْ أراد به سوءًا نَصْرَ نفسِه، ولا دَفْعَ ضُرٍّ عنها، وإنما العابدُ يَعْبُدُ ما يَعبُدُه، لاجْتِلابِ نفعٍ منه، أو لدفعِ ضُرٍّ منه عن نفسِه، وآلِهَتُهم التي يَعْبُدونَها [ويُشرِكونها] (٥) في عبادةِ اللَّهِ، لا تَنْفَعُهم ولا تَضُرُّهم، بل لا تَجْتَلِبُ


(١) بعده في تفسير ابن أبي حاتم والدر المنثور: "فمسياه".
(٢) بعده في مصدرى التخريج: "قال زيد".
(٣) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٥/ ١٦٣٥ من طريق أصبغ عن ابن زيد به نحوه.
(٤) يعنى المصنف بقوله: "مكنيهم " الضمير "هم" في الآية. قال في اللسان (ك ن ى): قال ابن سيده: واستعمل سيبويه الكناية في علامة المضمر.
(٥) في ص، ت ١، س، ف: "فيشركونها".