العبادَ به بعدَ قَضاءِ مناسكِهم لم يكنْ عليهم من فرضِه قبلَ قضائِهم مناسكَهم، سوى التكبيرِ الذي خصَّ اللَّهُ به أيامَ مِنًى.
فإذ كان ذلك كذلك، وكان معلومًا أنه جل ثناؤه قد أوجَب على خلقِه بعدَ قضائِهم مناسكَهم من ذكرِه ما لم يكنْ واجبًا عليهم قبلَ ذلك، وكان لا شيءَ من ذكرِه خَصَّ به ذلك الوقتَ سوى التكبيرِ الذي ذكَرناه، كانت بَيِّنةً صحةُ ما قلنا في تأويلِ ذلك على ما وصَفنا.
يعني جل ثناؤه بذلك: فإذا قَضَيتُم مناسِكَكم أيها المؤمنون، فاذْكُروا اللهَ كذِكْرِكم آباءَكم أو أشدَّ ذكرًا، وارغَبوا إليه فيما لديه من خيراتِ الدنيا والآخرةِ بابتهالٍ وَتَمَسْكُنٍ، واجعَلوا أعمالَكم لوجهِه خالصًا ولطلبِ مرضاتِه، وقولوا: ربَّنا آتِنا في الدنيا حسنةً، وفي الآخرةِ حسنةً، وقِنا عذابَ النارِ. ولا تكونوا كمَن اشترى الحياةَ الدنيا بالآخرةِ، فكانت أعمالُهم للدنيا وزينتِها، فلا يسألون ربَّهم إلا متاعًا (١)، ولا حظَّ لهم في ثوابِ اللَّهِ، ولا نصيبَ لهم في جِنانِه وكريمِ ما أعدَّ لأوليائِه. كما قال في ذلك أهلُ التأويلِ.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا ابنُ بشارٍ، قال: ثنا عبدُ الرحمنِ بنُ مَهْديٍّ، قال: ثنا سفيانُ، عن عاصمٍ، عن أبي وائلٍ: ﴿فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا﴾: