للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني موسى بنُ هارونَ، قال: ثنا عمرُو بنُ حمادٍ، قال ثنا أسباطُ، عن السُّدِّيِّ: ﴿فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا﴾. قال: كانت العربُ إذا قضَت مناسكَها وأقاموا بمِنًى، يقومُ الرجلُ فيسألُ اللَّهَ ويقولُ: اللهمَّ إن أبي كان عظيمَ الجَفْنةِ، عظيمَ القُبَّةِ، كثيرَ المالِ، فأعطِني مثلَ ما أعطيتَ أبي. ليس يذكُرُ اللَّهَ، إنما يذكُرُ آباءَه، ويسألُ أن يُعْطَى في الدنيا (١).

والصوابُ من القولِ عندي في تأويلِ ذلك أن يقالَ: إن اللَّهَ جل ثناؤه أمَر عبادَه المؤمنين بذكرِه بالطاعةِ له و (٢) الخضوعِ لأمرِه والعبادةِ له بعدَ قضاءِ مناسكِهم، وذلك الذكرُ جائزٌ أن يكونَ هو التكبيرَ الذي أمَر به جل ثناؤه بقولِه: ﴿وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ﴾. الذي أوجَبه على مَن قضَى نُسُكَه بعدَ قضائِه نُسُكَه، فألزَمه حينَئذٍ مِن ذكْرِه ما لم يكنْ له لازمًا قبلَ ذلك، وحَثَّ على المحافظةِ عليه محافظةَ الأبناءِ على ذكرِ الآباءِ في الإكثارِ منه، بالاستكانةِ له، والتَّضَرُّعِ إليه بالرغبةِ منهم إليه في حوائجِهم، تَضَرُّعَ الولدِ لوالدَيه، والصبيِّ لأمِّه وأبيه، أو أشدَّ من ذلك، إذ كان ما كان بهم وبآبائِهم مِن نعمةٍ فمنه، وهو وَلِيُّه.

وإنما قلنا: الذِّكْرُ الذي أمَر اللَّهُ جل ثناؤه به الحاجَّ بعدَ قضاءِ مناسكِه بقولِه: ﴿فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا﴾. جائزٌ أن يكونَ هو التكبيرَ الذي وصَفنا؛ من أجلِ أنه لا ذكرَ للَّهِ أمَر


(١) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٢/ ٣٥٦ عقب الأثر (١٨٧٠) من طريق عمرو به.
(٢) في م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "في".