القولُ في تأويلِ قولِه جلَّ ثناؤُه: ﴿أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ﴾.
يعنى جلَّ ثناؤُه بقولِه: ﴿أُولَئِكَ﴾: هؤلاء الذين أخْبَر عنهم أنهم يَتْلون ما آتاهم مِن الكتابِ حقَّ تلاوتِه.
وأمَّا قولُه: ﴿يُؤْمِنُونَ بِهِ﴾. فإنه يعنى: يُصَدِّقون به. والهاءُ التى في قولِه: ﴿بِهِ﴾ عائدةٌ على الهاءِ التى في ﴿تِلَاوَتِهِ﴾. وهما جميعًا مِن ذكْرِ الكتابِ الذى قال اللهُ: ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ﴾. فأخْبَر اللهُ جلَّ ثناؤه أن المؤمنَ بالتوراةِ هو المُتَّبِعُ ما فيها مِن حلالِها وحرامِها، والعاملُ بما فيها مِن فرائضِ اللهِ التى فرَضها فيها على أهلِها، وأن أهلَها الذين هم أهلُها مَن كان ذلك صفتَه دونَ مَن كان مُحَرِّفًا لها، مُبَدِّلًا تأويلَها، مُغَيِّرًا سُنَنَها، تاركًا ما فرَض اللهُ فيها عليه.
وإنما وصَف جلَّ ثناؤُه مَن وصَف بما وصَف به مِن مُتَّبِعى التوراةِ، فأَثْنَى عليهم بما أَثْنَى به عليهم؛ لأن في اتباعِها اتباعَ محمدٍ نبيِّ اللهِ ﷺ وتصديقَه؛ لأن التوراةَ تَأمُرُ أهلَها بذلك، وتُخْبِرُهم عن اللهِ تعالى ذكرُه بنُبُوَّتِه وفرْضِ طاعتِه على جميعِ خلْقِ اللهِ مِن بنى آدمَ، وأن في التكذيبِ بمحمدٍ ﷺ التكذيبَ بها (١)، فأخبَر جلَّ ثناؤُه أن مُتَّبِعى التوراةِ هم المؤمنونَ بمحمدٍ ﷺ، وهم العاملون بما فيها.
كما حدَّثنى يونسُ، قال: أخبرَنا ابنُ وهبٍ، قال: قال ابنُ زيدٍ في قولِه: ﴿أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ﴾. قال: مَن آمن برسولِ اللهِ ﷺ مِن بنى إسرائيلَ وبالتوراةِ، وأن الكافرَ بمحمدٍ ﷺ هو الكافرُ بها الخاسرُ، كما قال جلَّ ثناؤُه: ﴿وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ