للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الحروفَ كانتْ في الأصلِ تواكيدَ، فلمَّا صِرْنَ مُدُوحًا تُرِكْنَ (١) على أصولِهنَّ في المعرفةِ.

وزعَموا أن قولَه: ﴿يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ﴾. إنما جازت إضافتُه إلى "التلاوةِ" وهى مضافةٌ إلى معرفةٍ، لأن العربَ تعتدُّ بالهاءِ إذا عادت [بالنكرةِ نكرةً] (٢)، فيقولون: مرَرتُ برجلٍ واحدِ أُمِّه، ونَسِيجِ وَحْدِه، وسيِّدِ قومِه. قالوا: فكذلك قولُه: ﴿حَقَّ تِلَاوَتِهِ﴾. إنما جازت إضافةُ "حقّ" إلى "التلاوةِ" وهى مضافةٌ إلى الهاءِ؛ لاعتدادِ العربِ بالهاءِ التى في نظائرِها في عِدَادِ النكِراتِ. قالوا: ولو كان تأويلُ (٣) ذلك: حقَّ التلاوةِ. لوجَب أن يكونَ جائزًا: مرَرتُ بالرجُلِ حَقَّ الرجُلِ. فعلى هذا القولِ تأويلُ الكلامِ: الذين آتَيْناهم الكتابَ يَتْلونه حَقَّ تلاوةٍ.

وقال بعضُ نحويِّي البصرةِ: جائزةٌ إضافةُ "حقّ" إلى النكِراتِ مع النكراتِ، ومع المعارفِ إلى المعارفِ، وإنما ذلك نظيرُ قولِ القائلِ: مرَرتُ بالرجُلِ غُلامِ الرجُلِ، وبرجُلٍ غُلامِ رجلٍ. فتأويلُ الآيةِ على قولِ هؤلاء: الذين آتيناهم الكتابَ يتلُونه حقَّ التلاوةِ (٤).

وأَوْلَى ذلك بالصوابِ عندَنا القولُ الأولُ؛ لأن معنى قولِه: ﴿حَقَّ تِلَاوَتِهِ﴾: أىَّ تلاوةٍ، بمعنى مَدْحِ التلاوةِ التى تلَوْها وتفضيلِها، و "أىّ" غيرُ جائزةٍ إضافتُها إلى واحدٍ معرفةٍ عندَ جميعِهم، فكذلك "حقّ" غيرُ جائزةٍ إضافتُها إلى واحدٍ معرفةٍ، وإنما أُضِيف في قولِه: ﴿حَقَّ تِلَاوَتِهِ﴾ إلى ما فيه الهاءُ؛ لِماَ وصفتُ مِن العلَّةِ التى


(١) بعده في م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "مدوحا".
(٢) في م:"إلى نكرة بالنكرة".
(٣) سقط من: م.
(٤) في م، ت ٢، ت ٣: "تلاوته".