للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

القائلِ: ما زلتُ أَتلو أثرَه. إذا اتَّبَع أثرَه؛ لإجماعِ الحُجَّةِ مِن أهلِ التأويلِ على أن ذلك تأويلُه. وإذ كان ذلك تأويلَه، فمعنى الكلامِ: الذين آتيناهم الكتابَ يا محمدُ، مِن أهلِ التوراةِ الذين آمنوا بك، وبما جئتَهم به مِن الحقِّ مِن عندى - يَتَّبِعون كتابى الذى أنزلْتُ على رسولى موسى صلواتُ اللهِ عليه، فيؤمِنون به، ويقِرُّون بما فيه مِن نعتِك وصفتِك، وأنك رسولى، فَرْضٌ عليهم طاعتى في الإيمانِ بك، والتصديقِ بما جئتَهم به مِن عندى، ويَعمَلون بما أحْلَلتُ لهم، ويتَجنَّبون (١) ما حرَّمتُ عليهم فيه، ولا يُحَرِّفونه عن مواضِعِه، ولا يُبَدِّلونه، ولا يُغَيِّرونه عمَّا (٢) أنزلتُه عليهم، بتأويلٍ ولا غيرِه.

وقولُه: ﴿حَقَّ تِلَاوَتِهِ﴾. مبالغةٌ في صفةِ اتِّباعِهم الكتابَ، ولزومِهم العملَ به، كما يقالُ: إن فلانًا لعالمٌ حَقُّ عالمٍ. وكما يقالُ: إن فلانًا لفاضلٌ كلُّ فاضلٍ.

وقد اخْتَلَف أهلُ العربيةِ في إضافةِ "حقّ" إلى المعرفةِ؛ فقال بعضُ نحويِّي الكوفةِ: غيرُ جائزةٍ إضافتُه إلى معرفةٍ؛ لأنه بمعنى "أىّ"، وبمعنى قولِك: أفضلُ رجلٍ. قال (٣): و "أَفْعَلُ" لا يُضافُ إلى واحدٍ معرفةٍ، لأنه مُبَعَّضٌ، ولا يكونُ الواحدُ [المعرفةُ مبعَّضًا] (٤). فأحالوا أن يقالَ: مرَرتُ بالرجُلِ حقَّ الرجُلِ، ومرَرتُ بالرجُلِ جِدَّ الرجُلِ. كما أحالوا: مرَرتُ بالرجُلِ أىَّ الرجُلِ. وأجازوا ذلك في: كلّ الرجلِ، وعين (٥) الرجلِ، ونفس الرجلِ. وقالوا: إنما أجَزْنا ذلك لأن هذه


(١) في م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "يجتنبون".
(٢) في م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "كما".
(٣) في م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "فلان".
(٤) في م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "المبعض معرفة".
(٥) في م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "غير".