للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما قوله: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾. فإن معناه: واعْلَموا أيُّها المؤمنون بالله أنكم إن قاتلتم المشركين كافَّةً، واتَّقَيْتُم الله، فأَطَعْتُموه فيما أمركم ونَهاكم، ولم تُخالفوا أمره فتَعْصُوه، كان الله معكم على عدوِّكم وعدوِّه من المشركين، ومَن كان الله معه لم يَغْلِبُه شيءٌ؛ لأن الله مع مَن اتَّقاه، فَخافَه وأطاعَه فيما كَلَّفَه مِن أمره ونهيه.

القول في تأويلِ قوله: ﴿إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (٣٧)﴾.

يقول تعالى ذكره: ما النَّسِيءُ إلا زيادةٌ في الكفر.

والنَّسِيءُ مصدرٌ مِن قول القائل: نَسَأْتُ في أيامك (١). و: نَسَأَ اللهُ في أجلك. أي: زادَ الله في أيام عُمُرِك ومُدَّةِ حياتك حتى تبقى فيها حيًّا. وكلُّ زيادةٍ حَدَثَت في شيءٍ، فالشيءُ الحادثُ فيه تلك الزيادة بسبب ما حَدَثَ فيه، نَسِيءٌ، ولذلك قيل للَّبَنِ إذا كُثِّر بالماءِ: نَسِيءٌ. وقيل للمرأةِ الحُبلَى: نَسُوءٌ. ونُسِئَت المرأةُ؛ لزيادة الولد فيها. وقيل: نَسَأْتُ الناقةَ وأَنْسَأَتُها. إذا زَجَرتَها ليزدادَ سَيْرُها.

وقد يَحتَمِلُ أن يكونَ (٢) النسيءُ "فَعِيل"، صرف إليه من "مفعولٍ"، كما قيل: لَعِينٌ وقتيلٌ. بمعنى: مَلْعونٌ ومقتولٌ، ويكون معناه: إنما الشهرُ المُؤَخَّرُ زيادةٌ في الكفر. وكأنَّ القول الأول أشبه بمعنى الكلام، وهو أن يكون معناه: إنما التأخير الذي يُؤخِّرُه أهلُ الشِّرْكِ بالله من شهور الحرُم الأربعة، وتصْييرُهم الحرام منهنَّ حلالًا،


(١) تقول إذا أخرت الرجل بدينه: أنسأته. فإذا زدت في الأجل زيادة يقع عليها تأخير قلت: قد نسأت في أيامك وفى أجلك. معاني القرآن للفراء ١/ ٤٣٧.
(٢) سقط من: م.