البيوتِ التي لا سكانَ لها ولا أربابَ معروفون، فكلُّ واحدٍ من الحُكمينِ حكمٌ في معنًى غيرِ معنَى الآخَرِ، وإنما يُستَثْنَى الشئُ مِن الشئِ إذا كان مِن جنسِه أو نَوعِه في الفعلِ أو النفْسِ، فأما إذا لم يكنْ كذلك، فلا معنَى لاستِثْنائِه منه.
وقولُه: ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ﴾. يقولُ تعالى ذكرُه: واللَّهُ يعلمُ ما تُظهرون أيها الناسُ بألسنتِكم، مِن الاستئذانِ إذا استأذنْتُم على أهلِ البيوتِ المسكونةِ، ﴿وَمَا تَكْتُمُونَ﴾. يقولُ: وما تُضمِرونه في صدوركم عندَ فعلِكم ذلك ما الذي تقصدون به؛ أطاعةَ اللَّهِ والانتهاءَ إلى أمرِه أم غيرَ ذلك؟
يقولُ تعالى ذكرُه لنبيِّه محمدٍ ﷺ: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ باللَّه وبك يا محمدُ، ﴿يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ﴾. يقولُ: يكفُّوا مِن نظَرِهم إلى ما يشتَهُون النظرَ إليه، مما قد نهاهم اللَّهُ عن النظرِ إليه، ﴿وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ﴾ أن يَراها مَنْ لا يَحِلُّ له رؤيتُها، بلُبسِ ما يستُرُها عن أبصارِهم، ﴿ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ﴾. يقولُ: فَإِنَّ غضُّها من النظرِ عما لا يَحلُّ النظرُ إليه، وحِفْظَ الفرجِ عن أن يَظهرَ لأبصارِ الناظرين - أطهرُ لهم عندَ اللَّهِ وأفضلُ، ﴿إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾. يقولُ: إن اللَّهَ ذو خِبرةٍ بما تصنعون أيها الناسُ، فيما أمَركم به مِن غضِّ أبصارِكم عما أمَركم بالغضِّ عنه، وحفظِ فروجِكم عن إظهارِها لمن (١) نهاكم عن إظهارِها له.