للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

﴿ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ﴾ وإن كان خارجًا على وجهِ الخطابِ للذين كانوا على عهدِ نبيِّنا منهم، فإنَّه معنيٌّ به كلُّ مَن أقَرّ (١) بالميثاقِ منهم على عهدِ موسى ومَن بعدَه، وكلُّ مَن شَهِد منهم بتصديقِ ما في التوراةِ، لأنَّ اللهَ جلَّ ثناؤُه لَمْ يَخْصُصْ بقولِه: ﴿ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ﴾ وما أشبهَ ذلك من الآىِ بعضَهم دون بعضٍ، والآيةُ محتمِلةٌ أن يكونَ أُرِيدَ بها جميعُهم، فإذ كان ذلك كذلك، فليس لأحدٍ أن يَدَّعِىَ أنه أريدَ بها بعضٌ منهم دونَ بعضٍ، وكذلك حكمُ الآيةِ التى بعدَها، أعنِى قولَه: ﴿ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ﴾ الآية؛ لأنه قد ذُكِر أن أوائلَهم قد كانوا يفعلُون من ذلك ما كان يفعلُه أواخرُهم الذين أدركوا عصرَ نبيِّنا .

القولُ في تأويلِ قولِه جل ثناؤه: ﴿ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾.

وَيَتَّجِهُ قولُه جلّ ثناؤه: ﴿ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ﴾ وجهين؛ أحدُهما، أن يكونَ أُريدَ به: ثم أنتم يا هؤلاء. فترَك "يا" استغناءً بدَلالةِ الكلامِ عليه، كما قال جلّ ثناؤه: ﴿يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا﴾ [يوسف: ٢٩]. وتأويلُه: يا يوسفُ أَعْرِضْ عن هذا. فيكونُ معنى الكلامِ حينئذٍ: ثم أنتم (٢) يا معشرَ يهودِ بنى إسرائيلَ، بعد إقرارِكم بالميثاقِ الذى أخذْتُه عليكم [ألا تَسْفِكوا] (٣) دماءَكم، ولا تُخْرِجوا (٤) أنفسَكم من ديارِكم (٥)، وبعد شهادتِكم على أنفسِكم بأن ذلك حقٌّ لى عليكم لازمٌ لكم الوفاءُ لى به -تَقْتلون


(١) في م: "واثق".
(٢) سقط من: الأصل.
(٣) في م: "لا تسفكون".
(٤) في م: "تخرجون".
(٥) بعده في م: "ثم أقررتم".