إلى العِظامِ وهى تُنْشَرُ، إنما أُمِرَ به ليَرَى عِيانًا ما أَنْكَره بقولِه: ﴿أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾. فإن إحياءَ العظامِ لا شكَّ في هذا الموضعِ إنما عُنى به ردُّها إلى أماكنِها مِن جسدِ المنظورِ إليه وهو يحْيَا، لا إعادةَ الروحِ التي كانت فارقَتْها عندَ المماتِ. والذي يدلُّ على ذلك قولُه: ﴿ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا﴾. ولا شكَّ أنَّ الروحَ إنما نُفِخَتْ في العظامِ التي أُنْشِرت بعد أن كُسِيتِ اللحمَ.
وإذا كان ذلك كذلك، وكان معنى الإنْشاز تركيبُ العظامِ وردُّها إلى أماكنِها مِن الجسدِ، وكان ذلك معنى الإنشارِ، كان معلومًا استواءُ مَعْنَيَيهما، وأنهما مُتَّفقا المعنى لا مُخْتَلِفاه، ففى ذلك إبانةٌ عن صحةِ ما قلنا فيه.
فأمَّا القراءةُ الثالثةُ فغيرُ جائزةٍ القراءةُ بها عندى، وهى قراءةُ مَن قرأَ:(كيف نَنْشُرُها). بفتحِ النونِ وبالراءِ؛ لشُذوذها عن قراءةِ المسلمين، وخروجِها عن الصحيحِ الفصيحِ من كلامِ العربِ.
القولُ في تأويلِ قولِه جلَّ ثناؤه: ﴿ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا﴾.
يعنِى بذلك تعالى ذِكْرُه: ثم نَكْسو العظامَ لحمًا.
والهاءُ التي في قولِه: ﴿ثُمَّ نَكْسُوهَا﴾. مِن ذكرِ العظامِ، ومعنى ﴿نَكْسُوهَا﴾. نُلْبِسُها ونُوارِيها به كما يُوارِى جسدَ الإنسانِ كسوتُه التي يَلْبَسُها. وكذلك تفعَلُ العرب، تجعَلُ كلَّ شيءٍ غطَّى شيئًا وواراه لباسًا له وكسوةً، ومنه قولُ النابغةِ الجَعْديِّ (١):
(١) هذا البيت من الأبيات المختلف في نسبتها، فأغلب المصادر على أنه للبيد بن ربيعة العامري. وأورده محقق ديوان النابغة الجعدى ضمن أبيات الديوان (المجموع). ونسبه المرزباني في معجم الشعراء إلى قردة بن نفاثة وصحح ابن عبد البر في الاستيعاب هذه النسبة، وذكر ابن عبد البر أن أكثر أهل الأخبار قالوا: إن لبيدا لم =