للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وبالراءِ (١)، كأنه وجَّه ذلك إلى مثلِ معنَى نَشْرِ الشيءِ وطَيِّه، وذلك قراءةٌ غيرُ مَحمودةٍ؛ لأن العربَ لا تقولُ: نَشَر الله الموتَى. وإنما تقولُ: أنشَر اللهُ الموتَى، فَنَشروا هم. بمعنى: أحياهم اللهُ فحَيُوا هم. يدلُّ على ذلك قولُه: ﴿ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ﴾. وقولُه: ﴿آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ﴾ [الأنبياء: ٢١].

وعلى أنه إذا أُرِيد به: حَيِىَ المَيْتُ وعاش بعدَ مَماتِه، قيل: نَشَر. قولُ الأعشى مِن بني ثعلبة (٢).

حَتَّى يَقُولَ النَّاسُ مما رَأَوْا … يا عجبًا لِلْمَيِّتِ النَّاشِرِ

وروى سماعًا مِن العرب: كان به جَرَبٌ فَنَشَر. إذا عاد وحَيِيَ (٣).

والقولُ في ذلك عندِى أنّ معنَى الإنشارِ ومعنى الإنشازِ متقاربان؛ لأن معنى الإنشازِ التركيبُ والإنباتُ (٤)، وردُّ العظام مِن [الترابِ إلى الأجسادِ، وأن معنى الإنشارِ الإحياءُ والإعادةُ. وإحياءُ] (٥) العظامِ وإعادتُها لا شكَّ أنه ردُّها إلى أماكنِها ومواضِعِها مِن الجسدِ بعد مفارقتِها إياها. فهما وإنِ اخْتَلَفا في اللفظِ، فمُتقاربا المعنى. وقد جاءت بالقراءةِ بهما الأمةُ مجيئًا يقطَعُ العذرَ، ويُوجِبُ الحُجةَ، فبأيِّهما قرَأ القارئُ فمُصيبٌ، لاتفاقِ (٦) مَعْنيَيْهما، وألا حُجةَ تُوجِبُ لإحداهما مِن القضاءِ بالصوابِ على الأُخْرى.

فإن ظنَّ ظانٌّ أنّ الإنشارَ إذا كان إحياءً فهو بالصوابِ أوْلَى؛ لأن المأمورَ بالنظرِ


(١) هذه قراءة أبان عن عاصم، وهى قراءة الحسن أيضا. السبعة لابن مجاهد ص ١٨٩، وإتحاف فضلاء البشر ص ٩٨.
(٢) ديوانه ص ١٤١.
(٣) حكاه الفراء سماعا عن بعض بني الحارث. ينظر معاني القرآن ١/ ١٧٣.
(٤) في ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "الإثبات".
(٥) سقط مِن: ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣، س.
(٦) في ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "لانقياد".