للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الهاءِ التي في ﴿فِيهِ﴾، كأنك قلتَ: لا شكَّ فيه هاديًا.

قال أبو جعفرٍ: فترَك الأصلَ الذي أصَّله في ﴿الم﴾ وأنها مرفوعةٌ بـ ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ﴾ ونبَذه وراءَ ظهرِه، واللازمُ كان له على الأصلِ الذي أصَّله ألا يُجِيزَ الرفعَ في ﴿هُدًى﴾ بحالٍ إلا مِن وجهٍ واحدٍ، وذلك مِن قِبَلِ الاستئنافِ إذ كان مدْحًا. فأما على وجهِ الخبرِ لـ ﴿ذَلِكَ﴾، أو على وجهِ الاتباعِ لموضعِ ﴿لَا رَيْبَ فِيهِ﴾، فكان اللازمُ له على قولِه أن يكونَ خطأً، وذلك أن ﴿الم﴾ إذا رفَعَتْ ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ﴾ فلا شكَّ أن ﴿هُدًى﴾ غيرُ جائزٍ حينئذٍ أن يكونَ خبرًا لـ ﴿ذَلِكَ﴾ بمعنى المرافعِ له، أو (١) تابعًا لموضع ﴿لَا رَيْبَ فِيهِ﴾؛ لأن موضعَه حينَئذٍ نصبٌ، لتمامِ الخبرِ قبلَه وانقطاعِه - بمُخالفتِه إياه - عنه (٢).

القولُ في تأويلِ قولِه جلَّ ثناؤُه: ﴿لِلْمُتَّقِينَ (٢)﴾.

حدَّثنا سفيانُ بنُ وَكيعٍ، قال: حدَّثنا أبي، عن سفيانَ، عن رجلٍ، عن الحسنِ قولَه: ﴿لِلْمُتَّقِينَ﴾. قال: اتَّقَوْا ما حُرِّم عليهم، وأدَّوْا ما افتُرِض عليهم (٣).

حدَّثنا محمدُ بنُ حُميدٍ، قال: حدَّثنا سَلَمةُ بنُ الفضلِ، عن محمدِ بنِ إسحاقَ، عن محمدِ بنِ أبي محمدٍ مولى زيدِ بنِ ثابتٍ، عن عكرمةَ، أو عن سعيدِ بنِ جُبَيْرٍ، عن ابنِ عباسٍ: ﴿لِلْمُتَّقِينَ﴾. أي: الذين يَحْذَرُون مِن اللَّهِ ﷿ عقوبتَه في ترْكِ ما يَعْرِفون مِن الهُدَى، ويَرْجُون رحمتَه بالتصديقِ بما جاء منه (٤).


(١) في ص، ت ٢: "و".
(٢) إعراب القرآن لا يسلك فيه إلا الحمل على أحسن الوجوه، وأبعدها عن التكلف، وأسوغها في لسان العرب، فكما أن كلام الله أفصح كلام، فكذلك إعرابه يجب أن يحمل على أفصح الوجوه،
(٣) ذكره ابن كثير في تفسيره ١/ ٦١ عن سفيان الثوري به.
(٤) في ر، م: "به".
والأثر في سيرة ابن هشام ١/ ٥٣٠، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ١/ ٣٥ (٦٢) من طريق سلمة به.