للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

القولُ في تأويلِ قولِه عزَّ ذكرُه: ﴿قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١١٩)﴾.

اختَلَفَتِ القرأُة في قراءةِ قولِه: ﴿هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ﴾؛ فقرَأ ذلك بعضُ أهلِ الحجازِ والمدينةِ: (هذا يومَ يَنْفَعُ الصادِقين) بنصب (يومَ) (١).

وقرَأ بعضُ أهلِ الحجازِ، وبعضُ أهلِ المدينةِ، وعامةُ قرأةِ أهلِ العراقِ: ﴿هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ﴾ برفعِ ﴿يَوْمُ﴾، فمن رفَعه رفَعه بـ ﴿هَذَا﴾، وجعَل ﴿يَوْمُ﴾ (٢) اسمًا وإن كانت إضافتُه غيرَ مَحْضةٍ؛ لأنه قد صار كالمنعوتِ.

وكان بعضُ أهلُ العربيةِ يَزْعُمُ أن العربَ يَعْمَلُون في إعرابِ الأوقاتِ مثلِ " اليوم" و "الليلةِ" عملَهم فيما بعدَها، إن كان ما بعدَها رفعًا رفَعوها، كقولِهم: هذا يومُ يَرْكَبُ الأميرُ، وليلةُ يَصْدُرُ الحاجُّ، ويومُ أخوك مُنْطَلِقٌ. وإن كان ما بعدَها نصبًا نصَبوها، وذلك كقولهم: هذا يومَ خرجَ الجيشُ، وسار الناسُ، وليلةَ قُتِل زيدٌ. ونحوِ ذلك، وإن كان معناها في الحالين: إذ، وإذا. وكأَنَّ مَن قرَأ هذا هكذا رفعًا، وجَّه الكلامَ إلى أنه مِن قبلِ اللهِ يومَ القيامةِ.

وكذلك كان السديُّ يقولُ في ذلك.

حدَّثني محمدُ بنُ الحسينِ، قال: ثنا أحمدُ بنُ مفضل، قال: ثنا أسْباطُ، عن السديِّ: ﴿قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ﴾: هذا فصلٌ مِن كلامِ عيسى، وهذا يومَ القيامةِ (٣).

يعنى السديُّ بقوله: هذا فصلٌ مِن كلام عيسى. أن قولَه: ﴿سُبْحَانَكَ مَا


(١) وهى قراءة نافع وحده. السبعة لابن مجاهد ص ٢٥٠.
(٢) وهي قراءة ابن كثير وعاصم وأبي عمرو وابن عامر وحمزة والكسائي. ينظر السبعة لابن مجاهد ص ٢٥٠.
(٣) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٤/ ١٢٥٦ (٧٠٦٥) من طريق أحمد بن المفضل.