للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال: ﴿وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ﴾. وقال في موضعٍ آخرَ: ﴿فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ﴾ [يس: ٤١] فَوَحَّدَ. والفُلكُ اسمٌ للواحدةِ والجماعِ، ويُذَكَّرُ ويُؤَنَّثُ.

قال: ﴿وَجَرَيْنَ بِهِم﴾ وقد قال: ﴿هُوَ الَّذِى يُسَيِّرُكُمْ﴾ فخاطَب، ثم عاد إلى الخبرِ عن الغائبِ. وقد بَيَّنْتُ ذلك في غير موضعٍ من الكتابِ، بما أغنى عن إعادتِه في هذا الموضعِ (١).

وجوابُ قوله: ﴿حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الفُلْكِ﴾ ﴿جَاءَتَهَا رِيحٌ عَاصِفٌ﴾. وأما جوابُ قوله: ﴿وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ﴾ فَـ ﴿دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾.

القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: ﴿فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٢٣)﴾.

يقولُ تعالى ذكرُه: فلمَّا أَنْجَى اللَّهُ هؤلاء الذين ظنُّوا في البحر أنهم أُحيط بهم، مِن الجهدِ الذي كانوا فيه، أخْلَفوا اللَّهَ ما وَعَدوه، وبَغَوا في الأرضِ، فَتَجاوَرُوا فيها إلى غير ما أَذِنَ اللهُ لهم فيها (٢) مِن الكفرِ به، والعملِ بمعاصِيه على ظَهْرِها. يقولُ الله: يا أَيُّها الناسُ، إنما اعْتِداؤُكم الذي تَعْتَدونه على أنفسِكم، وإياها تَظْلِمون، وهذا الذى أنتم فيه متاعُ الحياةِ الدنيا. يقولُ: ذلك بلاغٌ تُبلَغون به في عاجلِ دُنْياكم.

وعلى هذا التأويلِ "البَغْىُ" يكون مرفوعًا بالعائد من ذكرِه في قولِه: ﴿عَلَى أَنفُسِكُمْ﴾، ويكونُ قولُه: (مَتَاعُ الحَياةِ الدُّنْيا). مرفوعًا على معنى: ذلك متاعُ


(١) ينظر ما تقدم في ١/ ١٥٥.
(٢) في م: "فيه".