للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما قولُه: ﴿وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾. فإن أهلَ التأويلِ اختَلفوا في تأويلِ الإصْرارِ، ومعنى هذه الكلمةِ؛ فقال بعضُهم: معنى ذلك، لم يَثْبُتوا على ما أَتَوا من الذنوبِ، ولم يُقيموا عليه، ولكنهم تابوا واستغفَروا، كما وصَفهم اللهُ جلَّ ثناؤه به.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا بِشْرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه: ﴿وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾. فإياكم والإصرارَ، فإنما هَلَكَ المُصِرُّون الماضون قُدُمًا، لا يَنْهاهم مخافةُ الله ﷿ عن حرامٍ حَرَّمه عليهم، ولا يَتوبون من ذنبٍ أصابوه، حتى أتاهم الموتُ، وهم على ذلك (١).

حدَّثنا الحسنُ بنُ يحيى، قال: أخبَرنا عبدُ الرزاقِ، قال: أَخبرنا مَعْمَرٌ، عن قتادةَ في قولِه: ﴿وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾. قال: قُدُمًا قُدُمًا في معاصي اللهِ، لا تَنْهاهم مخافةُ اللهِ حتى جاءهم أمرُ اللهِ (٢).

حدَّثنا ابن حُميدٍ، قال: ثنا سَلَمةُ، عن ابن إسحاقَ: ﴿وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾. أي: لم يُقِيموا على مَعْصِيتى، كفعلِ من أشرَك بي، فيما عَمِلوا به مِن كفرٍ بى (٣).

وقال آخرون: معنى ذلك: لم يُواقِعوا الذنب إذا هَمُّوا به.


(١) ذكره أبو حيان في البحر المحيط ٣/ ٦٠ عن قتادة مختصرا بنحوه، وعزاه السيوطي في الدر المنثور ٢/ ٧٨ إلى ابن المنذر: وينظر الأثر التالي.
(٢) تفسير عبد الرزاق ١/ ١٣٣،١٣٤، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٣/ ٧٦٦ (٤١٨٦) عن الحسنِ بن يحيى به.
(٣) سيرة ابن هشام ٢/ ١٠٩، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٣/ ٧٦٦ (٤١٨٨) من طريق سلمة به.