للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقرَأ ذلك الزهريُّ فيما ذُكِر عنه: (وإنَّ كُلًّا لَمًّا). بتشديدِ: إِنَّ" و "لَمًّا" وتنوينِها، بمعنى: شديدًا وحقًّا وجميعًا (١).

وأصحُّ هذه القراءاتِ مَخْرَجًا على كلامِ العربِ المُسْتَفِيض فيهم، قراءةُ مَن قرأه: ﴿وَإِنَّ﴾ بتشديدِ نونِها، (كُلًّا لَمَا) بتخفيفِ ما، ﴿لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ﴾. بمعنى: وإِنَّ كلَّ هؤلاء الذين قصَصْنا عليك يا محمدُ قَصَصَهم في هذه السورةِ، لَمَن لَيُوَفِّيَنَّهم ربُّك أعمالَهم؛ بالصالحِ منها الجزيلَ (٢) مِن الثوابِ، وبالطالحِ منها الشديدَ (٣) مِن العقابِ، فتكونُ "ما" بمعنى "مَن"، واللامُ التي فيها جوابًا لـ "إِنَّ"، واللامُ التي (٤) في قولِه: ﴿لَيُوَفِّيَنَّهُمْ﴾ لامُ قسمٍ.

وقولُه: ﴿إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾. يقولُ تعالى ذكرُه: إِنَّ ربَّك بما يَعْمَلُ هؤلاء المشركون باللهِ، مِن قومِك يا محمدُ، ﴿خَبِيرٌ﴾ لا يَخْفَى عليه شيءٌ مِن عملِهم، بل يَخْبُرُ ذلك كلَّه، ويَعْلَمُه ويُحِيطُ به، حتى يُجازِيَهم على جميعِ ذلك جزاءَهم.

القولُ في تأويلِ قولِه ﷿: ﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (١١٢)﴾.

يقولُ تعالى ذكرُه لنبيِّه محمدٍ : فاسْتَقِمْ أنت يا محمدُ على أمرِ ربِّك، والدينِ الذي ابْتَعَثك به، والدعاءِ إليه، كما أمَرَك ربُّك، ﴿وَمَنْ تَابَ مَعَكَ﴾. يقولُ: ومَن رجَع معك إلى طاعةِ اللهِ، والعملِ بما أمَرَه به ربُّه مِن بعدِ كفرِه به،


(١) ينظر شواذ القرآن لابن خالويه ص ٦٦، وحجة القراءات ص ٣٥١، والتبيان ٦/ ٧٥.
(٢) في ص، م، ت ١، ت ٢، س، ف: "بالجزيل".
(٣) في م: "بالشديد".
(٤) سقط من: ص، م، ت ١، ت ٢، س، ف.