للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أن يُعْبَدَ أحدٌ من خلقى غيرى وأنا مالكُه؛ لأنه لا ينَبِغي للعبدِ أن يَخْدُم (١) غيرَ مالكِه، ولا يُطيعَ سوى مولاه.

وأما قولُه جلَّ ثناؤه: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ﴾. فإنه يعنى بذلك: من ذا الذي يَشْفَعُ لمماليكِه إن أراد عقوبتَهم إلا أن يُخلِّيَه ويَأذنَ له بالشفاعةِ لهم.

وإنما قال ذلك جل ثناؤه لأن المشركين قالوا: ما نعبد أوثانَنا هذه إلا ليُقَرِّبونا إلى اللهِ زُلْفَى (٢). فقال اللهُ لهم: لى ما في السماواتِ وما في الأرضِ مع السماواتِ والأرضِ مِلْكًا، فلا تَنبغِى العبادةُ لغيرِى، فلا تَعبُدوا الأوثانَ التي تزعُمون أنها تُقَرِّبُكم منى زُلْفَى، فإنها لا تنفَعُكم عندى، ولا تُغْنِى عنكم شيئًا، ولا يَشْفَعُ عندى أحدٌ لأحدٍ إلا بتَخْلِيَتى إيَّاه والشفاعةَ لمن يَشْفَعُ له مِن رُسُلى وأوليائى وأهلِ طاعتِى.

القولُ في تأويلِ قولِه جل ثناؤُه: ﴿يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ﴾.

يعنى جلّ ثناؤه بذلك أنه المحيطُ بكلِّ ما كان وبكلِّ ما هو كائنٌ علمًا، لا يَخْفَى عليه شيءٌ منه.

وبنحو الذي قلْنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.

ذكرُ من قال ذلك

حدَّثنا ابن حُميدٍ، قال: ثنا جَرِيرٌ، عن منصورٍ، عن الحَكَمِ: ﴿يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ﴾: الدنيا، ﴿وَمَا خَلْفَهُمْ﴾ الآخرة (٣).


(١) في م، ص، س: "يعبد".
(٢) هذا تأويل الآية (٣) من سورة الزمر.
(٣) ذكره أبو حيان في البحر المحيط ٢/ ٢٧٩.