يقولُ تعالى ذكرُه: ﴿فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا﴾. يعنى: فلما جاءَهم بيانُ ما دعَاهم إليه موسى وهارونُ، وذلك الحججُ التى جاءَهم بها، وهي الحقُّ الذى جاءَهم مِن عندِ اللهِ، ﴿قَالُوا إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُبِينٌ﴾. يَعنون: أنه يَبينُ لَمَن رَاه وعاينَه أنه سحرٌ لا حقيقةَ له.
قال موسى لهم: ﴿أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَكُمْ﴾ مِن عِندِ الله: ﴿أَسِحْرٌ هَذَا﴾؟
واختلف أهلُ العربيةِ فى سببِ دخولِ "ألفِ الاستفهامِ" في قولِه: ﴿أَسِحْرٌ هَذَا﴾. فقال بعضُ نحويى البصرةِ: أُدخِلت فيه على الحكايةِ لقولِهم؛ لأنهم قالوا: ﴿أَسِحْرٌ هَذَا﴾؟ فقال: أتقولون: ﴿أَسِحْرٌ هَذَا﴾؟
وقال بعضُ نحويى الكوفةِ: إنهم قالوا هذا سحرٌ. ولم يقولوه بالألفِ؛ لأن أكثر ما جاء بغيرِ ألفٍ. قال: فيُقالُ: فلِمَ أُدخِلت الألفُ؟ فيُقالُ: قد يجوزُ أن تكونَ مِن قبلِهم، وهم يَعلَمون أنه سحرٌ، كما يقولُ الرجلُ للجائزةِ إذا أتَتْه: أحقٌّ هذا؟ وقد عَلِمَ أنه حقٌّ. قال: وقد يجوزُ أن تكونَ على التعجُّبِ منهم: أسحرٌ هذا؟ ما أعظَمَه!
وأولى من (١) ذلك فى هذا بالصوابِ عندى، أن يكونَ المقولُ محذوفًا، ويكونَ قوله: ﴿أَسِحْرٌ هَذَا﴾. مِن قيلِ موسى، مُنكِرًا على فرعونَ ومَلَئِه قولَهم للحقِّ لمَّا جاءهم: سحرٌ. فيكونُ تأويلُ الكلامِ حينئذٍ: قال موسى لهم: ﴿أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَكُمْ﴾ - وهى الآياتُ التي أتاهم بها مِن عندِ اللهِ حجةً له على صدقِه: