للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال أبو جعفرٍ: وأولى [هذيْن التأويلَيْن] (١) بتأويلِ الآيةِ ما رُوِى عن ابنِ عباسٍ وأبى العاليةِ ومُجاهدٍ، مِن أن الفرقانَ الذى ذكَر اللهُ أنه آتاه موسى في هذا الموضعِ هو الكتابُ الذى فرَق به (٢) بينَ الحقِّ والباطلِ، وهو نعتٌ للتوراةِ وصفةٌ لها. فيكونُ تأويلُ الآيةِ حينَئذٍ: وإذ آتينا موسى التوراةَ التى كتَبناها (٣) له في الألواحِ، وفرَقْنا بها بينَ الحقِّ والباطلِ. فيكونُ الكتابُ نعتًا للتوراةِ أُقِيم مُقامَها اسْتِغْناءً به عن ذكرِ التوراةِ، ثم عطَف عليه الفرقانَ، إذ (٤) كان مِن نعتِها. وقد بيَّنَّا معنى الكتابِ فيما مضَى مِن كتابِنا هذا، وأنه بمعنى المكتوبِ (٥).

وإنما قلْنا: هذا التأويلُ أولى بالآيةِ -وإن كان مُحْتَمِلًا غيرُه مِن التأويلِ- لأن الذى قبلَه من (٦) ذِكْرِ الكتابِ، وأن معنى الفرقانِ الفَصْلُ -وقد دلَّلْنا على ذلك فيما مضَى مِن كتابِنا هذا- فإلحاقُه، إذ كان كذلك، بصفةِ ما ولِيه أولَى مِن إلحاقِه بصفةِ ما بَعُد منه.

وأما تأويلُ قولِه جلَّ ثناؤُه: ﴿لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾. فنظيرُ قولِه تعالى: ﴿لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾. ومعناه: لِتَهْتَدوا. فكأنه قال تعالى: واذْكُروا أيضًا إذ آتيْنا موسى التوراةَ التى تَفْرُقُ بينَ الحقِّ والباطلِ، لتَهْتَدوا بها وتَتَّبِعوا الحقَّ الذى فيها؛ لأنى جعَلْتُها كذلك هُدًى لمن اهْتَدَى بها واتَّبع ما فيها.

القولُ في تأويلِ قولِه جلَّ ثناؤُه: ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ


(١) في ص: "هذه التأويلات".
(٢) في ص: "فيه".
(٣) في ر: "اكتتبناها".
(٤) بعده في ر: "الفرقان".
(٥) ينظر ما تقدم في ص ٩٥.
(٦) سقط من: م.