وإذا وُجِّه الكلامُ إلى هذا المعنى الذى قلنا كانت "ما" نصبًا بوقوعِ فعلِ اللهِ عليه، وهو "شاء"، وجاز طرحُ الجوابِ؛ لأنَّ معنى الكلامِ معروفٌ، كما قيل: ﴿فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ﴾ [الأنعام: ٣٥]. وترَك الجوابَ، إذ كان مفهومًا معناه، وكان بعضُ أهلِ العربيةِ يقولُ:"ما" من قولِه: ﴿مَا شَاءَ اللهُ﴾ في موضعِ رفعٍ بإضمارِ "هو"، كأنه قيل: قلتَ هو ما شاء اللهُ ﴿لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ﴾. يقولُ: لا قوّةَ على ما نحاوِلُ من طاعتِه إلا به.
وقولُه: ﴿إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا﴾. وهو قولُ المؤمِن الذى لا مالَ له ولا عشيرةَ، مثلَ صاحبِ الجنتين وعشيرته، وهو مثلُ سَلْمَانَ وصُهَيبٍ وخَبابٍ. يقولُ: قال المؤمنُ للكافرِ: إن تَرَنِ أيها الرجلُ أنا أقلَّ منكَ مالًا وولدًا. فإذا جعَلتَ "أنا" عمادًا نصبتَ "أقلَّ"، وبه القراءة عندَنا؛ لأن عليه قراءةُ الأمصارِ، وإذا جعَلتَه اسمًا رَفعتَ "أقلُّ".
يقولُ تعالى ذكرُه مخبِرًا عن قيلِ المؤمنِ الموقنِ للمعادِ إلى اللهِ، للكافرِ المرتابِ في قيامِ الساعةِ: إن تَرَنِ أيها الرجلُ أنا أقلَّ منك مالًا وولدًا في الدنيا، فعسَى ربي أن يَرْزُقَنى خيرًا من بستانِك هذا ﴿وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا﴾. يعني: على جنةِ الكافرِ التي قال لها: ﴿مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا﴾ - ﴿حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ﴾. يقولُ: عذابًا من السماءِ تُرْمَى به رميًا وتُقْذَفُ، والحُسْبانُ: جمع حُسْبانةٍ. وهى المَرامي.