للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يقولُ تعالى ذِكْرُه: لا سائل يسألُ ربَّ العرشِ عن الذي يَفعَلُ بخْلقِه من تَصْريفِهم فيما شاء (١) من حياةٍ وموتٍ وإعْزازٍ وإذْلالٍ وغيرِ ذلك من حُكْمِه فيهم؛ لأنَّهم خَلْقُه وعبيدُه، وجميعُهم في مُلكه وسلطانِه، والحكمُ حُكْمُه، والقضاءُ قضاؤُه، لا شيءَ فوقَه يسألُه عمَّا يَفعَلُ، فيقولُ له: لِمَ فَعَلْتَ؟ ولِمَ لم تَفْعَلْ ﴿وَهُمْ يُسْأَلُونَ﴾. يقولُ جلَّ ثناؤُه: وجميعُ مَن في السماواتِ والأرضِ من عبادِه مَسْئولُون عن أفْعالِهم، ومحاسَبون على أعمالِهم، وهو الذي يسألُهم عن ذلك، ويُحاسبُهم عليه؛ لأنّه فوقَهم ومالِكُهم، وهم في سُلطانه.

وبنحوِ الذي قُلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.

ذِكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادَةَ قولَه: ﴿لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ﴾. يقولُ: لا يُسألُ عما يفعل بعبادِه، وهم يُسألون عن أعمالِهم (٢).

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال قوله: ﴿لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ﴾. قال: لا يُسألُ الخالقُ عن قَضائِه في خَلْقِه، وهو يَسْأَلُ الخلقَ عن عمَلِهم (٣).

حُدِّثتُ عن الحسينِ، قال: سمِعتُ أبا معاذٍ يقولُ: أخبَرنا عبيدٌ، قال: سمِعتُ الضحاكَ يقولُ في قولِه: ﴿لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ﴾. قال: لا يُسأَلُ


(١) في ص، ت ١، ف: "بينا"
(٢) عزاه السيوطي في الدر المنثور ٤/ ٣١٦ إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم.
(٣) ذكره القرطبي في تفسيره ١١/ ٢٧٩.