للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عَمَّ بالخبرِ عن عَماه في الدنيا، فهو (١) كما عَمَّ تعالى ذكرُه.

واخْتَلَفَت القَرَأَةُ في قراءة قوله: ﴿فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى﴾؛ فَكَسَرَتِ (٢) القَرأَةُ جميعًا الحرفَ الأولَ، أعنِى قولَه: (ومَنْ كان في هذه أَعْمِى) (٣).

وأما قوله: (فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى). فإن عامَّةً قَرَأَةِ الكوفيين أمالَتْ أيضًا قولَه: (فهو في الآخِرَةِ أَعْمِى). وأما بعضُ قرأةِ البصرةِ فإنه فتَحه، وتَأَوَّلَه بمَعْنَى: فهو في الآخرةِ أشَدُّ عَمًى. واسْتَشْهَد لصحةِ قراءتِه بقولِه: ﴿وَأَضَلُّ سَبِيلًا﴾.

وهذه القراءةُ هي أوْلَى القراءتَيْن في ذلك بالصوابِ؛ للشاهدِ الذي ذكرْنا عن قارِئِه كذلك، وإنما كرِه مَن كرِه قراءتَه كذلك؛ ظَنًّا منه أن ذلك مقصودٌ به قَصْدَ عَمَى العينَيْن الذي لا يُوصَفُ أحدٌ بأنه أعْمَى مِن آخرَ أعمَى؛ إذ كان عمَى البصرِ لا يَتَفاوَتُ فيكونَ أحدُهما أَزْيَدَ عَمًى مِنْ آخَرَ، إلا بِإِدْخال "أَشَدَّ" أو "أبْيَنَ"، فليس الأمرُ في ذلك كذلك.

وإنما قلنا: ذلك مِن عَمَى القلبِ الذي يَقَعُ فيه التَّفاوُتُ. فإِنما عنَى به عمَى قلوبِ الكفارِ عن حُجَجِ الله التي عايَنَتْها أبصارُهم، فلذلك جاز ذلك وحَسُن.

وبنحوِ الذي قلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا الحسنُ بنُ يحيى، قال: أخبَرنا عبدُ الرزاقِ، قال: أخبَرنا


(١) في م: "فهم".
(٢) المراد بقوله: "كسرت"، أي: أمالت إمالة شديدة.
(٣) ليس الأمر كما ذكر المصنف، فقد قرأ بفتح الميم في الموضعين ابن كثير ونافع وابن عامر وحفص عن عاصم، وبالكسر فيهما قرأ أبو بكر عن عاصم، وحمزة والكسائي، وبالكسر في الموضع الأول قرأ أبو عمرو، وفتحها في الموضع الثاني. ينظر السبعة لابن مجاهد ص ٣٨٣.