للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هَذِهِ أَعْمَى﴾: في الدنيا فيما أرَاه اللهُ مِن آياتِه، من خلقِ السماواتِ والأرضِ، والجبالِ والنجومِ، ﴿فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ﴾ الغائبةِ التي لم يَرَها أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا﴾ (١).

حدَّثني يونسُ، قال: أخبَرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زِيدٍ، وسُئِل عن قولِ اللَّهِ تعالى: ﴿وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا﴾. فقَرَأ: ﴿إِنَّ فِي (٢) السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [الجاثية: ٣]. ﴿وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ﴾ [الذاريات: ٢١]. وقَرَأَ: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ﴾. وقرَأ حتى بَلَغ: ﴿وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ﴾ [الروم: ٢٠ - ٢٦]. قال: كلٌّ له مُطيعون إِلَّا ابنَ آدمَ. قال: فمَن كان في هذه الآياتِ التي يَعْرفُ أنها منَّا، ويَشْهَدُ عليها، وهو يَرَى قدرتَنا ونعمتَنا، أعمَى، فهو في الآخرةِ التي لم يَرَها، أعمَى وأَضَلُّ سبيلًا.

وأَوْلَى الأقوالِ في ذلك عندَنا بالصوابِ قولُ مَن قال: معني ذلك: ومن كان في هذه الدُّنيا أعمَى عن حُجَجِ اللَّهِ، على أنه المُنْفَرِدُ بخَلْقِها وتدبيرِها، وتصريفِ ما فيها، فهو في أمرِ الآخرةِ التي لم يَرَها ولم يُعايِنْها، وفيما هو كائنٌ فيها ﴿أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا﴾. يقولُ: وأَضَلُّ طريقًا منه في أمر الدنيا التي قد عايَنَها ورَآها.

وإنما قلنا: ذلك أولى تأويلاتِه بالصوابِ؛ لأنَّ الله تعالى ذكرُه لم يَخْصُص في قولِه: ﴿وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ﴾ الدنيا ﴿أَعْمَى﴾، عمَى الكافرِ به عن بعضِ حُجَجِه عليه فيها دونَ بعض، فيُوَجَّهَ ذلك إلى عَماه عن نِعَمِه بما أنْعَم به عليه مِن تكريمِه بنى آدمَ، وحَمْله إياهم في البرِّ والبحرِ، وما عَدَّد في الآيةِ التي ذكَر فيها نِعَمَه عليهم، بل


(١) تفسير عبد الرزاق ١/ ٣٨٣ عن معمر به.
(٢) بعده في ص، ت ١، ف: "خلق".