للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

القولُ في تأويلِ قوله تعالى: ﴿أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (٤٦) أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (٤٧)﴾.

يقولُ تعالى ذكرُه لنبيِّه محمدٍ : أَتَسْأَلُ يا محمدُ هؤلاء المشركين باللهِ على ما أَتَيْتَهم به من النصيحةِ، ودعوتَهم إليه من الحقِّ -ثوابًا وجزاءً؟ ﴿فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ﴾. يعنى: من عِزَّةِ (١) ذلك الأجرِ مُثْقَلون، قد أَثْقَلهم القيامُ بأدائِه، فتحامَوا (٢) لذلك قبولَ نصيحتِك، وتجنَّبوا لعظمِ ما أصابهم من ثِقَلِ الغُرْمِ الذى سأَلتهم على ذلك- الدخولَ في الذي دعوتَهم إليه من الدينِ.

وقولُه: ﴿أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ﴾. يقولُ: أعندَهم اللوحُ المحفوظُ الذى فيه نبأُ ما هو كائنٌ، فهم يَكْتُبون منه ما فيه، ويُجادِلونك به، ويَزْعُمون أنهم على كفرِهم بربِّهم أفضلُ منزلةً عندَ اللهِ من أهلِ الإيمانِ به؟!

القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: ﴿فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ (٤٨) لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ (٤٩)﴾.

يقولُ تعالى ذكرُه لنبيِّه محمدٍ : فاصبِرْ يا محمدُ لقضاءِ ربِّك وحُكمِه فيك وفي هؤلاء المشرِكين، بما أتيتَهم به من هذا القرآنِ وهذا الدينِ، وامضِ لما أمَرك به ربُّك، ولا يُثْنِيَنَّكَ عن تبليغِ ما أُمرْتَ بتبليغِه تَكْذِيبُهم إياك وأذاهم لك.

وقولُه: ﴿وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ﴾ الذى حبَسه (٣) في بطنِه، وهو يونسُ بنُ مَتَّى صلى اللهُ عليه، فيُعاقبَك ربُّك على تركِك تبليغَ ذلك، كما عاقبَه فحبَسه في بطنِه، ﴿إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ﴾. يقولُ: إذ نادَى وهو مغمومٌ، قد أثقَله الغمُّ وكظَمه.


(١) فى م: "غرم"، وفى ت ٣: "غرة"، وعزَّ الشيء يَعِزُّ عزًّا وعزة: قل فلا يكاد يوجد. التاج (ع ز ز).
(٢) تحامَوا: تجنَّبوا. الوسيط (ح م و).
(٣) فى ص، ت ٢، ت ٣: "حبسته".