للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: ٥٦].

وقوله: ﴿فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا﴾. يقولُ تعالى ذكرُه: فجعَلْناه ذا سمعٍ يَسْمَعُ به، وذا بصرٍ يُبْصِرُ به؛ إنعامًا مِن الله على عباده بذلك، ورأفةً منه بهم، وحجةً له عليهم.

القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: ﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (٣) إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَ وَأَغْلَالًا وَسَعِيرًا (٤)(*).

يعنى جلَّ ثناؤُه بقوله: ﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ﴾. إنا بيَّنا له طريقَ الجنةِ، وعرَّفْناه سبيلَه، إنْ شكَر أو كفَر. وإذا وُجِّهَ الكلامُ إلى هذا المعنى، كانت "إما وإما" في معنى الجزاءِ. وقد يَجُوزُ أنْ يكونَ "إما وإما" بمعنًى واحدٍ، كما قال: ﴿إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ﴾ [التوبة: ١٠٦]، فيكونَ قولُه: ﴿إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا﴾ حالًا مِن الهاءِ التي في: ﴿هَدَيْنَاهُ﴾. فيكونَ معنى الكلامٍ إذا وُجِّه ذلك إلى هذا التأويلِ: إنا هدَيْناه السبيلَ؛ إما شقيًّا وإما سعيدًا. وكان بعضُ نحويِّى البصرةِ يقولُ ذلك، كما قال: ﴿إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ﴾ [مريم: ٧٥]. كأنك لم تَذْكُرْ إما، قال: وإِن شِئْتَ ابْتَدَأْتَ ما بعدَها فرفعتَه.

وبنحوِ الذي قلْنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسى، وحدَّثنى الحارثُ، قال: ثنا الحسنُ، قال: ثنا ورقاءُ، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ


(*) إلى هنا ينتهى الجزء الثامن والأربعين من مخطوط خزانة القرويين والمشار إليه بالأصل وسيجد القارئ أرقام النسخة [ت ١] بين معكوفين بين صفحات التحقيق.