للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهى إذا انْتَقَلَت فصارَت علقةً، فقد اسْتَحالَتْ عن معنى النطفةِ، فكيف تكونُ نطفةً أمشاجًا وهى علقةٌ؟ وأما الذين قالوا: إن نطفةَ الرجلِ بيضاءُ وحمراءُ، فإنَّ المعروفَ مِن نطفةِ الرجلِ أنها سَحْرَاءُ (١) [على ألوانٍ، وهى] (٢) لونٌ واحدٌ، وهى بيضاءُ تَضْرِبُ إلى الحمرةِ، وإذا كانت لونًا واحدًا لم تكن ألوانًا مختلِطةً (٣)، وأحسَبُ أنَّ الذين قالوا: هي العروقُ التي في النطفةِ، قصدوا هذا المعنى.

وقد حدَّثنا ابنُ حميدٍ، قال: ثنا سلمةُ، عن ابن إسحاقَ، عن عطاءِ بن أبى رباحٍ، عن ابن عباسٍ، قال: إنما خُلِق الإنسانُ مِن الشيءِ القليلِ مِن النطفةِ. ألا تَرى أنَّ الولدَ إذا [انتكَث يُرى] (٤) له مثلُ الرَّيرِ (٥)؟ وإنما خُلِقَ ابْنُ آدمَ مِن مثلِ ذلك مِن النطفة؛ ﴿أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ﴾.

وقولُه: ﴿نَبْتَلِيهِ﴾: نَخْتَبِرُه. وكان بعضُ أهلِ العربيةِ يقولُ (٦): المعنى: جعَلْناه سميعًا بصيرًا لِنَبْتَلِيَه، فهى مُقدَّمةٌ معناها التأخيرُ، إنما المعنى خلَقْناه وجعَلْناه سميعًا بصيرًا لِنَبْتَلِيَه. ولا وجهَ عندى لما قال يَصِحُّ؛ وذلك أنَّ الابتلاءَ إنما هو بصحةِ الآلاتِ، وسلامةِ العقلِ من الآفاتِ، وإنْ عُدِمَ السمعُ والبصرُ، وإنما إخْبارُه (٧) إيَّانا أنه جعَل لنا أسماعًا وأبصارًا في هذه الآيةِ - تذكيرٌ منه لنا بنعمهِ، وتَنْبِيهٌ على موضِع الشُّكْرِ، فأما الابتلاءُ فالخَلْقُ مع صحةِ الفطرةِ وسلامةِ العقلِ مِن الآفةِ، كما قال:


(١) في الأصل: "سحر" والسحر: البياض يعلو السواد، ويقال: بالسين، والصاد. ينظر التاج (س ح ر).
(٢) سقط من: ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣.
(٣) في الأصل، م: "مختلفة".
(٤) في م: "أسكت ترى".
(٥) في الأصل: "الزيبر" وفى ص: "الزبير"، وفى ت ٢ ت "الزير" والرير: الماء يخرج من فم الصبى. التاج (ر ى ر).
(٦) هو الفراء. ينظر معاني القرآن ٣/ ٢١٤.
(٧) في الأصل: "أحراه"، وفي ت ٢، ت ٣: "إحباؤه".