للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقولُه (١): ﴿اعْتَرَاكَ﴾. افتَعَلك (٢)، مِن عَرَاني الشيءُ يَعْروني، إذا أصابَك، كما قال الشاعرُ (٣):

* مِن القومِ يَعْرُوه اجْتِراءٌ ومَأْثَمُ *

القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: ﴿إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٦)﴾.

يقولُ: إني على اللَّهِ الذي هو مالِكي ومالِكُكم والقَيِّمُ على جميعِ خلقِه، توكَّلتُ من أن تُصِيبوني أنتم وغيرُكم مِن الخلقِ بسوءٍ، فإنه ليس مِن شيءٍ يَدِبُّ على الأرضِ إلا واللَّهُ مالكُه، وهو في قبضتِه (٤) وسلطانِه، ذليلٌ له خاضعٌ.

فإن قال قائلٌ: وكيف قيل: ﴿هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا﴾، فخَصَّ بالأخذِ (٥) الناصيةَ دونَ سائرِ أماكنِ الجسدِ؟

قيل: لأن العربَ كانت تستعملُ ذلك في وصفِها مَن وَصَفَته بالذلةِ والخضوعِ، فتقولُ: ما ناصيةُ فلانٍ إلا بيدِ فلانٍ. أي: إنه له مطيعٌ يُصرِّفُه كيف شاء. وكانوا إذا أسَروا الأسيرَ فأرادوا إطلاقَه والمَنَّ عليه جَزُّوا ناصيتَه؛ ليعتدُّوا بذلك عليه فخرًا عندَ المفاخرةِ، فخاطَبَهم (٦) اللَّهُ بما يَعْرِفون في كلامِهم،


(١) في ص، ت ١، ت ٢، س، ف: "قولك".
(٢) في ص، م، ت ١، ت ٢، س، ف: "افتعل".
(٣) هو أبو خراش الهذلي، وصدر البيت:
* تذكَّرَ ذحلا عندنا وهو فاتك *
ينظر ديوان الهذليين ٢/ ١٤٧، وشرح أشعار الهذليين ٣/ ١٢١٩.
(٤) في الأصل: "قبضه".
(٥) في الأصل، س: "الأخذ".
(٦) في الأصل: "فخاطبها".