للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجاجٌ، عن ابنِ جُريجٍ، قال: قلتُ لعطاءٍ وسألتُه عن قولِه: ﴿الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ﴾. قال: نزَلتْ في الحديبيةِ، مُنِعوا في الشهرِ الحرامِ، فنزَلتْ ﴿الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ﴾: عُمرةٌ في شهرٍ حرامٍ بعمرةٍ في شهرٍ حرامٍ (١).

وإنما سمَّى اللهُ جلَّ ثناؤُه ذا القَعدةِ الشهرَ الحرامَ؛ لأنّ العربَ في الجاهليةِ كانت تُحرِّمُ فيه القتالَ والقتلَ، وتضَعُ فيه السلاحَ، فلا يقْتُلُ فيه أحدٌ أحدًا، ولَو لقِيَ الرجلُ قاتلَ أبيه أو ابنِه، وإنما كانُوا سمَّوْه ذا القَعدةِ، لقُعودِهم فيه عن المغازِي والحروبِ، فسمَّاه اللهُ بالاسمِ الذي كانت العربُ تُسمِّيه به.

وأما الحرماتُ فإنها جمعُ حُرمةٍ، كما الظُّلُماتُ جمعُ ظُلْمةٍ، والحجُراتُ جمعُ حُجرَةٍ.

وإنما قال : ﴿وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ﴾ فجمَع، لأنه أرادَ الشهرَ الحرامَ والبلدَ الحرامَ وحُرمةَ الإحرامِ. فقال جلَّ ثناؤُه لنبيِّه محمدٍ والمؤمنين معه: دخولُكم الحرمَ، بإحرامِكم هذا في شهرِكم الحرامِ، قصاصٌ مما مُنِعتم مِن مثلِه عامَكم الماضي. وذلك هو الحرماتُ التي جعلَها اللهُ قصاصًا.

وقد بينَّا أن القصاصَ هو المجازاةُ من جهةِ الفعلِ أو القولِ أو البدَلِ (٢)، وهو في هذا الوضعِ من جهةِ الفعلِ.

القولُ في تأويلِ قولِه: ﴿فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ﴾.

اختلَف أهلُ التأويلِ فيما نزَل فيه قولُه: ﴿فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا


(١) أخرجه النحاس في ناسخه ص ١١٤ من طريق حجاج به.
(٢) في م، ت ١: "البدن"، وينظر ما تقدم في ص ٩٣ وما بعدها.