للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأَوْلَى الأقوالِ في هذه الآيةِ بالصوابِ قولُ مَن قال: إِن اللَّهَ تعالى ذِكْرُه بعَث قائلَ: ﴿أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾ مِن مماتِه، ثم أراه نَظِيرَ ما اسْتَنْكَر مِن إحياءِ اللَّهِ القريةَ التي مرَّ بها بعدَ مماتِها، عِيانًا مِن نفسِه وطعامِه وحمارِه، فجعَل تعالى ذِكْرُه ما أرَاه مِن إحيائِه نفسَه وحمارَه مَثَلًا لما اسْتَنْكَر مِن إحيائِه أهلَ القريةِ التي مرَّ بها خاويةً على عُروشِها، وجعَل ما أرَاه مِن العِبرةِ في طعامِه وشرابِه عِبرةً له وحُجةً عليه في كيفيةِ إحيائِه منازلَ القريةِ وجنانَها، وذلك هو معنَى قولِ مجاهدٍ الذي ذكَرناه قَبْلُ.

وإنما قلنا: ذلك أوْلَى بتأويلِ الآيةِ؛ لأن قولَه: ﴿وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ﴾. إنما هو بمعنَى: وانْظُرْ إلى العظامِ التي تراها ببصرِك كيف نُنْشِزُها، ثم نَكْسوها لحمًا. وقد كان حمارُه أدْرَكه مِن البِلَى - في قولِ أهلِ التأويلِ جميعًا - نَظِيرُ الذي لَحِقَ عِظامَ مَن خُوطِبَ بهذا الخطابِ، فلم يُمْكِنْ (١) صَرْفُ معنى قولِه: ﴿وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ﴾. إلى أنه أمرٌ له بالنَّظرِ إلى عظامِ الحمارِ دونَ عِظامِ المأمورِ بالنظرِ إليها، ولا إلى أنه أَمرٌ له بالنَّظرِ إلى عظامِ نفسِه دونَ عظامِ الحمارِ. وإذ (٢) كان ذلك كذلك - وكان البِلَى قد لَحِقَ عِظامَه وعِظامَ حمارِه - كان الأوْلَى بالتأويلِ أن يكونَ الأمرُ بالنظرِ إلى كلِّ ما أَدْرَكه طَرفُه، مما قد كان البِلَى لَحِقَه؛ لأن اللَّهَ تعالى ذِكْرُه جعَل جميعَ ذلك عليه حُجةً، وله عِبرةً وعِظةً.

القولُ في تأويلِ قولِه جلَّ ثناؤُه: ﴿وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ﴾.

يعنى تعالى ذكرُه بذلك: ولِنجعَلَك آيةً للناسِ؛ أمَتْناك مائةَ عامٍ ثم بَعَثْناك.

وإنما أُدْخِلتِ الواوُ مع اللامِ التي في قولِه: ﴿وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ﴾.


(١) في ص: "يكن".
(٢) في م: "إذا".