للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إذا شَبَّتْ جَهَنّمُ ثُمَّ دارَت (١) … وأعْرَضَ عن قَوَابِسِها الجَحِيمُ

القولُ في تأويلِ قولِه جلَّ ثناؤُه: ﴿وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى﴾.

يعنى جلَّ ثناؤُه بقولِه: ﴿وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾: وليست اليهودُ يا محمدُ ولا النصارَى براضيةٍ عنك أبدًا، فدَعْ طلبَ ما يُرضِيهم ويوافقُهم، وأقْبِلْ على طلبِ رضا اللهِ في دعائِهم إلى ما بعَثك اللهُ به من الحقِّ، فإن الذى تدعوهم إليه من ذلك لهو السبيلُ إلى الاجتماعِ فيه معك على الألفةِ والدين القيمِ، ولا سبيلَ لك إلى إرضائِهم باتباعِ ملتِهم؛ لأن اليهوديةَ ضدُّ النصرانيةِ، والنصرانيةَ ضدُّ اليهوديةِ، ولا تَجتمعُ النصرانيةُ واليهوديةُ في شخصٍ واحدٍ، في حالٍ واحدةٍ، واليهودُ والنصارى لا تجتمعُ على الرضا بك، إلا أن تكونَ يهوديًّا نصرانيًّا، وذلك مما لا يكونُ منك أبدًا؛ لأنك شخصٌ واحدٌ، ولن يَجْتَمِعَ فيك دينان متضادّان في حالٍ واحدةٍ، وإذا لم يكنْ لك إلى اجتماعِهما فيك في وقتٍ واحدٍ سبيلٌ، لم يكنْ إلى إرضاءِ الفريقَيْن سبيلٌ، وإذا لم يكنْ لك إلى ذلك سبيلٌ، فالزمْ هُدَى اللهِ الذى لجميعِ (٢) الخلقِ إلى الألفةِ عليه سبيلٌ.

وأما "الملةُ"، فإنها الدينُ، وجمعُها المِلَلُ.

ثم قال جلَّ ثناؤُه لنبيِّه محمدٍ : ﴿قُلْ﴾ يا محمدُ -لهؤلاءِ النصارَى واليهودِ الذين قالوا: ﴿لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى﴾ -: ﴿إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى﴾. يعنى أن بيانَ اللهِ هو البيانُ المُقنِعُ، والقضاءُ


(١) في الأصل: "زارت". وفى رواية للديوان: "فارت".
(٢) في م: "لجمع"، وفى ت ١، ت ٣: "يجتمع"، وفى ت ٢: "يجمع".