للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال آخرون: بل معنى ذلك: أنهم يَسْلُقونهم مِن القولِ بما تُحِبُّون؛ نِفاقًا منهم.

ذِكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا سلمةُ، عن ابن إسحاقَ، قال: ثني يزيدُ بنُ رُومَانَ: ﴿فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ﴾: في القول بما تُحِبُّون؛ لأنهم لا يَرْجُون آخرةً، ولا تَحْمِلُهم حِسْبةٌ (١)، فهم يَهابون الموتَ هيبةَ مَن لا يَرْجُو ما بعدَه (٢).

وأشبهُ هذه الأقوالِ بما دلَّ عليه ظاهرُ التنزيلِ، قولُ مَن قال: ﴿سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ﴾. فأخبَر أن سَلْقَهم المسلمين شُحًّا منهم على الغنيمةِ والخيرِ، فمعلومٌ إذ كان ذلك كذلك، أن ذلك لطلبِ الغنيمةِ. وإذا كان ذلك منهم لطلبِ الغنيمةِ، دخَل في ذلك قولُ مَن قال: ذلك: سَلَقُوكم بالأذى؛ لأن فعلَهم ذلك كذلك، لا شكَّ أنه للمؤمنين أذًى.

وقولُه: ﴿أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ﴾. يقولُ: أَشحَّةً على الغنيمةِ إذا ظَفَر المؤمنون. وقوله: ﴿لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ﴾. يقولُ تعالى ذِكرُه: هؤلاء الذين وصَفتُ لك صفتَهم في هذه الآياتِ، لم يُصدِّقوا الله ورسولَه، ولكنهم أهلُ كفرٍ ونفاقٍ، ﴿فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ﴾. يقولُ: فأذهَب اللهُ أُجُورَ أعمالِهم وأبطلَها.

وذُكر أن الذي وُصِف بهذه الصفةِ كان بَدْرِيًّا، فأحبَط اللهُ عملَه.

ذِكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني يونسُ، قال: أخبَرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قولِه: ﴿فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا﴾. قال: فحدَّثنى أبي أنه كان


(١) في ت ٢: "خشية".
(٢) سيرة ابن هشام ٢/ ٢٤٧.