وقد حصَّل الطبري ذخائر هذا الديوان، ففاض بحره في تأويله الفريد.
[٥ - الترجيح بين القراءات]
كان الطبري ﵀ من فحول العلماء الذين ذاع صيتهم، وطال باعهم في كل العلوم الشرعية، فقد كان إمامًا مجتهدًا، وقد صنف في جل العلوم الشرعية؛ لذلك فقد أبحر في تأويله في القراءات، ورجح بعضها على بعض، ولم يجوز بعض القراءات التي لم ير صحة حجتها عنده، وجعل بعضها أولى بالصواب من بعض، وذكر ياقوت الحموي أن للطبري كتابًا جليلًا كبيرًا في القراءات، وقال: رأيته في ثماني عشرة مجلدة إلا أنه كان بخطوط كبار، ذكر فيه جميع القراءات من المشهور والشواذ، وعلل ذلك وشرحه، واختار منها قراءة لم يخرج بها عن المشهور، ولم يكن منتصبًا للإقراء، ولا قرأ عليه أحد إلا آحاد من الناس كالصَّفّار (١).
ولكن يؤخذ على الطبري ﵀ أنه أنكر بعض القراءات، ونفى عنها صفة الصواب، وفضل بعض القراءات على بعض مع أنها جميعًا متواترة، وقد استعمل العبارات الدالة على الإنكار، والتفضيل، كقوله: والقراءة التي لا أستجيز غيرها هي كذا. أو: وهذه القراءة أولى بالصواب. أو قوله: وأولى التأويلين بالآية وأصح القراءتين في التلاوة عندي التأويل الأول.
وقد أشرنا بهامش النص المحقق عند كل موضع وقع منه ذلك؛ ليحذر طالب العلم أن تنزلق قدمه في زلة عالم، فكما أن البحر لا تكدره قطرة، فإن العالم لا تنقصه زلة، وما من معصوم إلا المعصوم ﷺ، فلا يقلل ذلك من فضل الطبري، وعلو كعبه، وكيف ومن سبع السبعة ابن مجاهد من تلامذته، وقد نقل عنه ابن