للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما قولُه: ﴿عُدْوَانًا﴾. فإنه يعْنى به: تَجاوُزًا لما أباح اللهُ له، إلى ما حرَّمه عليه، ﴿وَظُلْمًا﴾ يَعْنى: فعلًا منه ذلك بغيرِ ما أذِن اللهُ به، ورُكوبًا منه ما قد نهاه اللهُ عنه.

وقولُه: ﴿فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا﴾. يَقُولُ: فسوف نُورِدُه نارًا يَصْلَى بها فيَحْتَرِقُ فيها. ﴿وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا﴾، يعني: وكان إصلاءُ فاعلِ ذلك النارَ وإحراقُه بها، على اللهِ سهلًا يسيرًا؛ لأنه لا يَقْدِرُ على الامتناعِ على ربِّه مما أراد به مِن سوءٍ، وإنما يَصْعُبُ الوفاءُ بالوعيدِ لِمَنْ تَوَعَّده، على مَن كان إذا حاول الوفاء به قَدَر المُتَوَعَّدُ من الامتناعِ منه، فأمَّا مَن كان في قَبْضَةِ مُوعِدِه، فيَسيرٌ عليه إمْضاءُ حُكمِه فيه، والوفاءُ له بوَعِيدِه، غيرُ عَسيرٍ عليه أمرٌ أرادَه به (*).

القولُ في تأويلِ قولِه: ﴿إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا (٣١)﴾.

اختلَف أهلُ التأويلِ في معنى الكبائرِ التي وعَد اللهُ جلَّ ثناؤُه عبادَه باجتنابِها تكفيرَ سائرِ سيئاتِهم عنهم؛ فقال بعضُهم: الكبائرُ التي قال اللهُ : ﴿إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ﴾. هي ما تقدَّم اللهُ إلى عبادِه بالنَّهْي عنه من أوّلِ سورةِ "النساءِ" إلى رأسِ الثلاثين منها.


(*) بعده في ص: "نجز الجزء السادس من الكتاب بحمد الله تعالى وعونه، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم. يتلوه في الجزء السابع إن شاء الله تعالى: القول في تأويل قوله: ﴿إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا﴾. وكان الفراغ منه في بعض شهور سنة خمس عشرة وسبعمائة، أحْسَنَ اللهُ تَقَضِّيَها وخاتمتَها في خير وعافية بمنه وكرمه. غفر الله لصاحبه ولكاتبه ولمؤلفه والجميع المسلمين. الحمد لله رب العالمين. طالعه الفقير إليه سبحانه محمد بن محمود بن محمد بن حسين الجزائري الحنفى، عُفى عنهم بمنِّه، وأتمه بتاريخ ثانى شهر ربيع الأول من سنة تسع وثلاثين واثنى عشر مئة. وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله. بسم الله الرحمن الرحيم. ربِّ أعن".