القولُ في تأويلِ قولِه جلَّ ثناؤه: ﴿وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (٤٦)﴾.
قال أبو جعفرٍ: والهاءُ والميمُ اللتان في قولِه: ﴿وَأَنَّهُمْ﴾ مِن ذكرِ الخاشِعِين، والهاءُ التى في ﴿إِلَيْهِ﴾ مِن ذكرِ الربِّ جلَّ وعزَّ في قولِه: ﴿مُلَاقُو رَبِّهِمْ﴾ فتأويلُ الكلمةِ: وإنها لكبيرةٌ إلَّا على الخاشِعينِ المُوقِنينِ أنهم إلى ربِّهم راجِعون.
ثم اخْتُلِف في تأويلِ "الرجوعِ" الذى في قولِه: ﴿وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾؛ فقال بعضُهم بما حَدَّثَنِي به المثنى بنُ إبراهيمَ، قال؛ حَدَّثَنَا آدمُ، قال: حَدَّثَنَا أبو جعفرٍ، عن الربيعِ، عن أبي العاليةِ في قولِه: ﴿وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾. قال: يَسْتَيْقِنون أنهم يَرْجعون إليه يومَ القيامةِ (١).
وقال آخَرون: معنى ذلك أنهم إليه يَرْجعون بموتِهم.
وأولى التأويلَيْن بالآيةِ القولُ الذى قاله أبو العاليةِ؛ لأنَّ اللهَ جلَّ ثناؤه قال في الآية التى قبلَها: ﴿كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [البقرة: ٢٨]. فأخْبَر جلَّ ثناؤُه أن مَرْجِعَهم إليه بعد نَشْرِهم وإحيائِهم مِن مَماتِهم، وذلك لا شكَّ يومَ القيامةِ، فكذلك تأويلُ قولِه: ﴿وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾.
قال أبو جعفرٍ: وتأويلُ ذلك في هذه الآيةِ نظيرُ تأويلِه في التى قبلَها في قولِه: ﴿اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ﴾. وقد ذكَرْتُه
(١) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ١/ ١٠٤ (٤٩٥) من طريق آدم به.