للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بنصبِ "العورةِ" وخفضِها، فالخفضُ على الإضافةِ، والنصبُ على حذفِ النونِ اسْتِثْقالًا وهى مُرادةٌ. وهذا قولُ نحْويِّى البصرةِ.

وأما نحْويُّو الكوفةِ فإنهم قالوا: جائزٌ في ﴿مُلَاقُو رَبِّهِمْ﴾ الإضافةُ، وهو في معنى "يَلْقَوْن"، وإسقاطُ النونِ منه؛ لأنه في لفظِ الأسماءِ، فله في الإضافةِ إلى الأسماءِ حظُّ الأسماءِ، وكذلك حكمُ كلِّ اسمٍ كان له نَظيرًا. قالوا: وإذا أُثْبِتت في شيءٍ من ذلك النونُ وتُركت الإضافةُ، فإنما تفعلُ ذلك به لأنَّ له معنى "يفعل" الذى لَمْ يَكنْ ولم يَجِبْ بعدُ. قالوا: فالإضافةُ فيه للفظِ، وتركُ الإضافةِ للمعنى.

فتأويلُ الآيةِ إذن: واسْتَعِينوا على الوَفاءِ بعَهْدى بالصبرِ عليه والصلاةِ، وإن الصلاةَ لكبيرةٌ إلَّا على الخائِفِين عِقابي، المُتَواضِعِين لأمْرِي، المُوقِنين بلِقائى والرجوعِ إليَّ بعدَ مَماتِهم.

وإنما أخْبَر اللهُ جل ثناؤُه أن الصلاةَ كبيرةٌ إلَّا على مَن هذه صفتُه؛ لأنَّ مَن كان غيرَ مُوقِنٍ بمَعادٍ، ولا مُصَدِّقٍ بمَرْجِعٍ ولا ثَوابٍ ولا عِقابٍ، فالصلاةُ عندَه عَناءٌ وضَلالٌ؛ لأنه لا يَرْجُو بإقامتِها إدراكَ نفعٍ، ولا دفعَ ضُرٍّ، وحُقَّ لمَن كانت هذه الصفةُ صفتَه أن تكونَ الصلاةُ عليه كبيرةً، وإقامتُها عليه ثقيلةً، وله فادحةً.

وإنما خفَّت على المؤمنين المُصَدِّقِين بلقاءِ اللهِ ﷿، الراجِين عليها جَزيلَ ثَوابِه، الخائِفين بتَضْييعِها أليمَ عقابِه، لِمَا يَرْجُون بإقامتِها في مَعادِهم مِن الوصولِ إلى ما وعَد اللهُ عليها أهلَها، ولِمَا يَحْذَرون بتَضْييعِها ما أوْعَد مُضَيِّعِيها. فأمَر اللهُ تعالى ذكرُه أحبارَ بنى إسرائيلَ الذين خاطَبهم بهذه الآياتِ أن يَكونوا مِن مُقِيمِيها، الراجِين ثوابَها، إذا كانوا أهلَ يقينٍ أنهم إلى اللهِ جلَّ وعزَّ راجِعون، وإياه في القيامةِ مُلاقُون.