للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان القياسُ في قولِه: ﴿اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ﴾ أن يأتي: استحاذَ عليهم؛ لأن الواوَ إذا كانت عينَ الفعلِ، وكانت متحركةً بالفتحِ وما قِبَلَها ساكنٌ، جَعَلَت العربُ حرَكَتَها في فاءِ الفعلِ قبلَها، وحَوَّلوها أَلِفًا مُتَّبِعةً حركةَ ما قِبَلَها، كقولِهم: استَحال هذا الشيءُ عما كان عليه. مِن حالَ يَحولُ. واستَنارَ فلانٌ بنورِ اللهِ. مِن النورِ، واستَعاذَ باللهِ مِن عاذَ يَعوذُ. وربما تَرَكوا ذلك على أصلِه، كما قال لبيدٌ: وأَحْوَذَ. ولم يقلْ: وأحاذَ.

وبهذه اللغةِ جاء القرآنُ في قولِه: ﴿اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ﴾.

وأما قولُه: ﴿فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا﴾، فلا خلافَ بينَهم في أن معناه: ولن يَجْعَل اللهُ للكافرين يومَئذٍ على المؤمنين سبيلًا.

ذكرُ الخبرِ عن بعض مِن قال ذلك

حدَّثنا ابن وَكِيعٍ، قال: ثنا جَرِيرٌ، عن الأعمشِ، عن ذَرٍّ، عن يُسَيعٍ (١) الحَضْرَميِّ، قال: كنتُ عندَ عليِّ بن أبى طالبٍ، فقال رجلٌ: يا أمير المؤمنين، أرأيتَ قولَ اللهِ: ﴿وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا﴾ وهم يُقاتِلوننا، فيَظْهَرون ويَقْتُلون؟ قال له عليٌّ: ادْنُهُ ادْنُه. ثم قال: ﴿فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا﴾، يومَ القيامةِ (٢).

حدَّثنا الحسنُ بنُ يحيى، قال: أخبَرنا عبدُ الرزاقِ، قال: أخبَرنا الثوريُّ، عن الأعمشِ، عن ذَرٍّ، عن يُسَيعٍ (١) الكِنْديِّ في قولِه: ﴿وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى


(١) في ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣، س: "نسيع". وفى الأصل غير منقوطة. وهو يسيع بن معدان الحضرمي. وينظر تهذيب الكمال ٣٢/ ٣٠٦.
(٢) أخرجه ابن أبي حاتم ٤/ ١٠٩٥ (٦٦١٣٥) من طريق الأعمش بمعناه.