وقال آخرون: بل قيل ذلك له ﵇؛ لأنَّه لم يكنْ فعلُه ذلك يُكفَّرُ به عنه شيءٌ من الذنوبِ؛ لأن اللَّهَ تعالى ذكرُه كان قد غفَر له ما تقدَّم من ذنبِه وما تأخَّر، فكان له نافلةَ فضلٍ، فأمَّا غيرُه فهو له كفارةٌ، وليس له هو نافلةً.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن عبدِ اللَّهِ بن كَثيرٍ، عن مجاهدٍ، قال: النافلةُ للنبيِّ ﷺ خاصَّةً، من أجلِ أنه قد غُفِر له ما تقدَّم من ذنبِه وما تأخَّر، فما عمِل مِن عمَلٍ سوى المكتوبةِ فهو نافِلةٌ من أجلِ أنَّه لا يعمَلُ ذلك في كفارةِ الذنوبِ، فهى نوافلُ وزيادةٌ، والناسُ يعمَلون ما سوى المكتوبةِ لذنوبِهم في كفَّارتِها، فليست للناسِ نوافلَ (١).
وأولى القولين بالصوابِ في ذلك القولُ الذي ذكَرنا عن ابن عباسٍ؛ وذلك أن رسولَ اللَّهِ ﷺ كان اللَّهُ تعالى ذكرُه قد خصَّه بما فرَض عليه من قيامِ اللَّيلِ دونَ سائرِ أمَّتِه. فأمَّا ما ذُكِر عن مجاهدٍ في ذلك، فقولٌ لا معنَى له؛ لأن رسولَ اللَّهِ ﷺ كان، فيما ذُكِر عنه، أكثرَ ما كان استغفارًا لذنوبِه بعدَ نزولِ قولِ اللَّهِ ﷿ عليه: ﴿لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ﴾ [الفتح:٢]. وذلك أن هذه السورةَ أُنزِلت عليه بعدَ مُنْصَرَفِه من الحديبيةِ، وأُنزِل عليه: ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ﴾. عامَ قُبِضَ، وقيل له فيها: ﴿فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا﴾ [النصر: ١، ٣] فكان يُعدُّ له ﷺ في المجلسِ الواحدِ استغفارٌ مائةَ
(١) أخرجه البيهقى في الدلائل ٥/ ٤٨٧ من طريق عبد الله بن كثير به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور ٤/ ١٩٦ إلى ابن المنذر ومحمد بن نصر، وذكره الحافظ في الفتح ٣/ ٣ وقال: روى معنى ذلك الطبري وابن أبي حاتم عن مجاهد بإسناد حسن.