للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لم يَعْنِ بها سكرَ الخمرِ، وإنما عنَى بها سكرَ النومِ.

قال أبو جعفرٍ: وأولى القولين في ذلك بتأويلِ الآية، تأويلُ من قال: ذلك نهيٌ من اللهِ المؤمنين عن أن يقرَبوا الصلاةَ وهم سكارى من الشراب قبلَ تحريمِ الخمرِ؛ للأخبارِ المتظاهرةِ عن أصحابِ رسولِ اللهِ ، بأن ذلك كذلك (١)، وأن هذه الآيةَ نزَلت فيمن ذُكِرت أنها نزَلت فيه.

فإن قال لنا قائلٌ: وكيف يكونُ ذلك معناه، والسكرانُ في حالِ زوالِ عقلِه، نظيرُ المجنونِ في حال زوالِ عقلِه، وأنت ممن تُحِيلُ تكليفَ المجانين لفقدِهم الفهمَ، بما يُؤْمَرُ ويُنْهَى؟ قيل له: إن السكرانَ لو كان في معنى المجنونِ لكان غيرَ جائزٍ أمرُه ونهيُه، ولكنَّ السكرانَ هو الذي يَفْهَمُ ما يَأْتِي وما يَذَرُ، غيرَ أن الشرابَ قد أَثْقَل لسانَه، [وأجزاءَ جسمِه وأخدَرَها] (٢)، حتى عجَز عن إقامةِ قراءتِه في صلاتِه وحدودِها (٣) الواجبة عليه فيها من غيرِ زوالِ عقلِه، فهو بما أُمِر به ونُهِى عنه عارفٌ فَهِمٌ، وعن أداءِ بعضِه عاجزٌ بخَدَرِ جسمِه من الشرابِ؛ فأما من صار إلى حدٍّ لا يَعْقِلُ ما يأتى ويَذَرُ، فذلك مُنْتَقِلٌ من السُّكْرِ إلى الخَبَلِ [ومعدودٌ في المجانينِ] (٤) المجانين، وليس ذلك الذي خُوطِب (٥) بقولِه: ﴿لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ﴾. لأنَّ ذلك مجنونٌ، وإنما خُوطِب به السكرانُ، والسكرانُ (٦) ما وصَفْنا صفتَه.

القولُ في تأويلِ قولِه جلّ ثناؤُه: ﴿وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا﴾.


(١) بعده في ص، م: "نهى من الله".
(٢) في م، ت ٢، ت ٣: "وأخرجه وأخدره".
(٣) في الأصل: "حدوده".
(٤) في الأصل، ت ١: "معاني"، وفي ص: "ومعافى".
(٥) في الأصل: "خاطب".
(٦) في الأصل: "السكر".