للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بها، ولا يغترَّنَّ أهلُ الدنيا بدُنْياهم؛ فإنَّما مَثَلُها مَثَلُ هذا النباتِ الذى حسُن اسْتِواؤه بالمطرِ، فلم يكنْ إلا رَيْثَ أن انْقطَع عنه الماءُ، فتناهى نهايتَه، عاد يَبِسًا (١) تَذْرُوه الرياحُ، فاسدًا، تَنْبُو عنه أعينُ الناظرين، ولكنْ ليعمَلْ للباقى الذى لا يَفْنَى، والدائمِ الذي لا يَبِيدُ ولا يتغيَّرُ.

القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا (٤٦)﴾.

يقولُ تعالى ذكرُه: المالُ والبنونَ، أَيُّها الناسُ، التي يفخَرُ بها عيينةُ والأقرعُ، ويتكبَّران بها على سلمانَ وخبابٍ وصهيبٍ، مما يُتَزيَّنُ به في الحياةِ الدنيا، وليسا من عُدَدِ (٢) الآخرةِ، ﴿وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا﴾. يقولُ: وما يعمَلُ سلمانُ وخبابٌ وصهيبٌ من طاعةِ اللهِ ودعائِهم ربَّهم بالغداةِ والعشيِّ يُريدُون وجهَه، الباقى لهم من الأعمالِ الصالحةِ بعدَ فناءِ الحياةِ الدُّنيا، خيرٌ يا محمدُ عندَ ربِّك ثوابًا من المالِ والبنينَ التى يَفتخِرُ هؤلاء المشرِكون بها، التي تَفْنَى، فلا تَبْقَى لأهلِها، ﴿وَخَيْرٌ أَمَلًا﴾. يقولُ: وما يُؤمِّلُ من ذلك سلمانُ وصهيبٌ وخبابٌ، خيرٌ مما يُؤمِّلُ عيينةُ والأقرعُ من أموالِهما وأولادِهما. وهذه الآياتُ من لَدُنِ قولِه: ﴿وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ﴾ [الكهف: ٢٧]. إلى هذا الموضعِ، ذُكِر أنها نزَلت في عيينةَ والأقرعِ.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا الحسينُ بنُ عمرٍو العنقزيُّ، قال: ثنا أبى، قال: ثنا أسباطُ بنُ نصرٍ، عن السديِّ، عن أبى سعدٍ (٣) الأزديِّ، وكان قارئَ الأزدِ، عن أبى الكنودِ، عن خبابٍ


(١) في م: "يابسًا".
(٢) في م: "عداد"
(٣) في م: "سعيد". وكلاهما صواب. ينظر تهذيب الكمال ٣٣/ ٣٤٤.