للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حدِّثتُ عن الحسينِ، قال: سمِعتُ أبا معاذٍ يقولُ: ثنا عبيدٌ، قال: سمِعتُ الضحاكَ يقولُ في قولِه: ﴿أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ﴾: ذا عيالٍ لاصقين بالأرضِ، من المسكنةِ والجهدِ.

وأولى الأقوالِ في ذلك بالصحةِ قولُ مَن قال: عُنِى به: أو مسكينًا قد لَصِق بالترابِ مِن الفقرِ والحاجةِ. لأنَّ ذلك هو الظاهرُ من معانيه، وأنَّ قولَه: ﴿مَتْرَبَةٍ﴾ إنما هي "مَفْعَلة" من: تَرِب الرجلُ. إذا أصابه الترابُ.

القولُ في تأويل قولِه جلَّ ثناؤه: ﴿ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (١٧) أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (١٨) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ (١٩) عَلَيْهِمْ نَارٌ مُؤْصَدَةٌ (٢٠)﴾.

قال أبو جعفرٍ : يقولُ تعالى ذكرُه: ثم كان هذا الذي قال: ﴿أَهْلَكْتُ مَالًا لُبَدًا﴾. مِن الذين آمَنوا باللهِ ورسولِه، فيؤمنُ معهم كما آمَنوا، ﴿وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾. يقولُ: وممن أوصَى بعضُهم بعضًا بالصبرِ على ما نابهم في ذاتِ اللهِ، ﴿وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ﴾. يقولُ: وأوصَى بعضُهم بعضًا بالمرحمةِ.

كما حدَّثنا محمدُ بنُ سنانٍ القزَّازُ، قال: ثنا أبو عاصمٍ، عن شبيبٍ، عن عكرمةَ، عن ابن عباسٍ: ﴿وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ﴾. قال: مَرْحَمةِ النَّاسِ (١).

وقولُه: ﴿أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ﴾. يقولُ: الذين فعلوا هذه الأفعالَ التي ذكرتُها؛ مِن فكِّ الرقابِ، وإطعامِ اليتيمِ، وغيرِ ذلك - أصحابُ اليمينِ، الذين يُؤخذُ بهم يومَ القيامةِ ذاتَ اليمينِ إلى الجنةٍ.

وقولُه: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا﴾. يقولُ: والذين كفَروا بأدلتِنا وأعلامِنا


(١) عزاه السيوطي في الدر المنثور ٦/ ٣٥٥ إلى المصنف ابن أبي حاتم.