يقولُ تعالى ذكرُه لنبيِّه محمد ﷺ: ومِن هؤلاء المشركين مَن يَسْتَمِعون إلى قولِك، ﴿أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ﴾. يقولُ: أفأنت تخلُقُ لهم السمعَ، ولو كانوا لا سمعَ لهم يعقِلون به، أم أنا؟
وإنما هذا إعلام من الله عباده أن التوفيق للإيمان به بيده لا إلى أحد سواه، يقولُ لنبيه محمد ﷺ: كما أنك لا تقدِرُ أن تُسمِعَ يا محمد من سلبته السمعَ، فكذلك لا تقدر أن تُفهم أمرى ونَهْيى قلبًا سلبتُه فَهم ذلك؛ لأنى ختمتُ عليه أنه لا يؤمِنُ.
يقولُ تعالى ذكرُه: ومن هؤلاء المشركين -مُشرِكي قومك- مَن ينظُرُ إليك يا محمدُ ويَرَى أعلامك وحُجَجَك على نبوّتك، ولكن الله قد سَلَبَه التوفيق فلا يهتَدِى، ولا تقدِرُ أن تَهْدِيَه، كما لا تقدِرُ أن تُحدِثَ للأعمى بصرًا يَهْتَدِي به؛ ﴿أَفَأَنتَ تَهْدِى الْعُمَيَ وَلَوْ كَانُوا لَا يُبْصِرُونَ﴾. يقولُ: أفأنت يا محمد تُحْدِثُ لهؤلاء الذين يَنْظُرون إليك وإلى أدلَّتِك وحججك فلا يوفقون للتصديق بك، أبصارًا -لو كانوا عميا- يهتدون بها ويُبْصِرون؟ فكما أنك لا تُطِيقُ ذلك، ولا تقدِرُ عليه ولا غيرُك، ولا يقدِرُ عليه أحدٌ، سواى، فكذلك لا تقدِرُ على أن تبَصِّرَهم سبيل الرشادِ أنت ولا أحدٌ غيرى؛ لأن ذلك بيدى وإليَّ.
وهذا من الله تعالى ذكرُه تسْلية لنبيِّه ﷺ عن جماعةٍ ممن كَفَرَ به من قومه وأدبَر عنه فكَذَّبَ، وتعزيةٌ له عنهم، وأمرٌ برفعِ طمعه من إنابتهم إلى الإيمان بالله.