للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يعني تعالى ذكرُه بذلك: أنه الحيُّ الذي لا يموتُ، والباقي بعدَ فناءِ جميع خَلْقِه.

فإن قال قائلٌ: فما معنى قولِه: ﴿[وَلِلَّهِ] (١) مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾. والميراثُ المعروفُ: هو ما انتقَل من ملكِ مالكٍ إلى وارثِه بموتِه، وللَّهِ الدنيا قبلَ فناءِ خلقِه وبعدَه؟

قيل: إن معنى ذلك ما وصَفنا من وصفِه نفسَه بالبقاءِ، وإعلامِ خلقِه أنه كتَب عليهم الفناءَ. وذلك أن مُلكَ المالكِ إنما يصيرُ ميراثًا بعدَ وفاتِه، فإنما قال جلَّ ثناؤُه: ﴿وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾. إعلامًا منه بذلك عبادَه، أن أملاكَ جميعِ خلقِه منتقلةٌ. عنهم بموتِهم، وأنه لا أحدَ إلا وهو فانٍ سواه، فإنه الذي إذا هلَك جميعُ خلقِه، فزالت أملاكُهم عنهم، لم يبقَ أحدٌ يكونُ له ما كانوا يملِكونَه غيرُه.

وإنما معنى الآيةِ: ولا تحسبنَّ الذين يبخلون بما آتاهم اللَّهُ من فضلِه هو خيرًا لهم، بل هو شرٌّ لهم، سيُطوَّقون ما بخِلوا به يومَ القيامةِ، بعدَ ما يهلِكون، وتزولُ عنهم أملاكُهم، في الحينِ الذي لا يملِكون شيئًا، وصار للَّهِ ميراثُه، وميراثُ غيرِه من خلقِه. ثم أَخْبَر تعالى ذكرُه أنه بما يعمَلُ هؤلاء الذين يبخَلون بما آتاهم اللَّهُ من فَضلِه (٢)، وغيرُهم من سائرِ خلقِه، ذو خبرةٍ وعلمٍ، محيطٌ بذلك كلِّه، حتى يجازِيَ كلًّا منهم على قدرِ استحقاقِه؛ المحسنَ بالإحسانِ، والمسيءَ على ما يرَى تعالى ذكرُه.

القولُ في تأويلِ قولِه: ﴿لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ﴾.

ذُكِر أن هذه الآيةَ وآياتٍ بعدَها نزَلت في بعضِ اليهودِ الذين كانوا على عهدِ النبيِّ .


(١) في ص، م، ت ١، ت ٢: "له".
(٢) في ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣، س: "فضل".