للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

و"ما" في قولِه: ﴿إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي﴾. في موضعٍ نصبٍ، وذلك أنه استثناءٌ مُنْقَطِعٌ عما قبلَه، كقولِه: ﴿وَلَا هُمْ يُنْقَذُونَ إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا﴾ [يس: ٤٣، ٤٤] بمعنى: إلا أن يُرْحَموا، و"أن" إذا كانت في معنى المصدرِ تُضارِعُ "ما".

ويعنى بقولِه: ﴿إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾. إِن اللَّهَ ذو صَفْحٍ عن ذنوبٍ مَن تاب مِن ذنوبِه، بتركِه عقوبتَه عليها، وفضيحتَه بها ﴿رَحِيمٌ﴾ به بعدَ توبتِه أن يُعَذِّبَه عليها.

وذُكِر أن يوسُفَ قال هذا القولَ، مِن أجلِ أن يوسُفَ لما قال: ﴿ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ﴾. قال مِلَكٌ مِن الملائكةِ: ولا يومَ همَمْتَ بها؟! فقال يوسُفُ حينَئذٍ: ﴿وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ﴾. وقد قيل: إن القائلَ ليوسُفَ: ولا يومَ همَمْتَ بها، فحلَلْتَ سَراويلَك؟! هو امرأةُ العزيزِ، فأجابها يوسُفُ بهذا الجوابِ.

وقيل: إن يوسُفَ قال ذلك ابتداءً مِن قِبَلِ نفسِه.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا أبو كُريبٍ، قال: ثنا وكيعٌ، عن إسرائيلَ، عن سِماكٍ، عن عكرمةَ، عن ابن عباسٍ قال: لما جمَع الملكُ النسوةَ، فسأَلهن: هل راوَدْتُنَّ يوسُفَ عن نفسِه؟ ﴿قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ﴾ الآيةَ، قال يوسُفُ: ﴿ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ﴾. قال: فقال له جِبريلُ: ولا يومَ همَمْتَ بما همَمْتَ؟! فقال: ﴿وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ﴾ (١).


(١) أخرجه المصنف في تاريخه ١/ ٣٤٦، وابن أبي حاتم في تفسيره ٧/ ٢١٥٧ (١١٦٩٣) من طريق =