للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أن عائذًا لو عاذ من عقوبةِ لَزِمَته بحرِمِ النبيِّ ، يُؤاخَذُ بالعقوبةِ فيه. ولولا ما ذكَرتُ من إجماعِ السلفِ على أن حرمَ إبراهيمَ لا يقامُ فيه على مَن عاذ به مِن عقوبةٍ لَزِمَتْه حتى يخرُجَ منه ما لَزِمَه (١)، لكان أحقُّ البقاع أن تُؤَدَّى فيه فرائضُ اللَّهِ التي أَلْزَمَها عباده - مِن قتلٍ أو غيرِه - أعظمَ البقاعِ إلى اللهِ؛ كحرَمِ الله، وحرمِ رسولِه ، ولَكِنَّا أُمِرْنا بإخراجِ مَن أُمِرنا بإخراجِه من حرمِ اللهِ لإقامةِ الحدِّ؛ لما ذكَرْنا من فعلِ الأمةِ ذلك وِراثةً.

فمعنى الكلامِ إذ كان الأمرُ على ما وَصَفْنا: ومَن دخَله كان آمِنًا ما كان فيه. فإذ كان ذلك كذلك، فمَن لَجَأ إليه من عقوبة لَزِمَتْه عائذًا به، فهو آمِنٌ ما كان به حتى يَخرُجَ منه، وإنما يَصيرُ إلى الخوفِ بعد الخروجِ أو الإخراجِ منه، فحينَئذٍ هو غيرُ داخلِه، ولا هو فيه.

القولُ في تأويلِ قولِه: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾.

يعنى بذلك جلَّ ثناؤُه: وفرض واجبٌ للَّهِ على مَن استطاع مِن أهلِ التكليفِ السبيلَ إلى حَجَّ بيتِه الحرامِ، الحِجُّ إليه.

وقد بيَّنَّا فيما مضى معنى الحجِّ، ودَلَّلْنا على صحَّةِ ما قلنا من معناه، بما أغنى عن إعادتِه في هذا الموضعِ (٢).

واخْتَلف أهلُ التأويلِ في تأويلِ قولِه ﷿: ﴿مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾، وما


= عبد الله بن زيد بن عاصم.
(١) ما لزمه: يعني ما بقى فيه.
(٢) ينظر ما تقدم في ٢/ ٧١١، ٧٢١.