للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قيل: قلنا ذلك لإجماعِ الجميعِ من المتقدِّمين والمتأخِّرين من علماءِ الأمةِ على أن إخراجَ العائذِ به من جريرةٍ أصابها أو فاحشةٍ أتاها، وَجَبَتْ عليه بها عقوبةٌ، منه ببعضِ معاني الإخراجِ؛ لأخْذه بما لَزِمَه، واجبٌ على إمامِ المسلمين وأهلِ الإسلامِ معه.

وإنما اخْتَلفوا في السببِ الذي يُخْرَجُ به منه؛ فقال بعضُهم: السببُ الذي يجوزُ إخراجُه به منه تركُ جميعِ المسلمين مبايعَتَه وإطعامَه وسَقْيَه وإيواءَه وكلامَه، وما أَشْبَه ذلك من المعانى التي لا قرارَ للعائذِ به فيه مع بعضِها، فكيف مع جميعِها!

وقال آخرون منهم: بل إخراجُه لإقامة من لَزِمَه من العقوبةِ واجبٌ، بكلِّ معاني الإخراجِ.

فلمَّا كان إجماعًا من الجميعِ، على أن حكمَ اللهِ في من عاذ بالبيتِ، من حدٍّ أصابه، أو جَريرةٍ جَرَّها - إخراجه منه؛ لإقامةِ ما فرَض اللهُ على المؤمنين إقامته عليه، ثم اختلفوا في السببِ الذي يجوزُ إخراجُه به منه - كان اللازمُ لهم ولإمامِهم إخراجَه منه بأى معنى أمْكَنَهم إخراجه منه، حتى يُقيموا عليه الحدِّ الذي لَزِمَه خارجًا منه إذا كان لَجَأ إليه من خارج، على ما قد بَيَّنَّا قبلُ.

وبعدُ، فإن الله ﷿ لم يضع حدًّا من حدودِه عن أحدٍ من خلقِه، من أجلِ بقعةٍ وموضعٍ صار إليها مَن لَزِمَه ذلك، وقد تَظاهَرَتِ الأخبارُ عن رسولِ اللهِ أنه قال: "إنى حَرَّمتُ المدينةَ كما حرَّم إبراهيمُ مكَّةَ" (١). ولا خلافَ بينَ جميعِ الأمةِ،


(١) أخرجه أحمد ٢٦/ ٣٧٤ (١٦٤٤٦)، والبخارى (٢١٢٩)، ومسلم (١٣٦٠) من حديث =