للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولكنه يُخرج منه، فيُقامُ عليه الحدُّ إن كان أصاب ما يَسْتَوجِبُه في غيرِه ثم لَجَأَ إِليه، وإن كان أصابه فيه أُقِيم عليه فيه.

فتأويلُ الآية إذن: فيه آياتٌ بيِّناتٌ مَقامُ إبراهيمَ، ومَن يدخُلْه مِن الناسِ مستجيرًا به، يكنْ آمِنًا مما استجار منه ما كان فيه، حتى يُخرَجَ منه.

فإن قال قائلٌ: وما مَنَعك من إقامةِ الحدِّ عليه فيه؟

قيل: لاتفاق جميعِ السَّلَفِ على أن مَن كانت جَريرتُه في غيرِه ثم عاذ به فإنه لا يُؤخَذُ بجريرته فيه. وإنما اخْتَلفوا في صفةِ إخراجِه منه لأخْذِه بها؛ فقال بعضُهم: صفةُ ذلك منعُه المعانى التي يُضْطَرُّ مع مَنْعِه وفَقْدِه إلى الخروجِ منه.

وقال آخرون: لا صفةَ لذلك غيرُ إخراجِه منه بما أَمْكَن إخراجُه من المعاني التي تُوصَّلُ إلى إقامةِ حدِّ اللهِ عليه معها. فلذلك قلنا: غيرُ جائزٍ إقامةُ الحدِّ عليه فيه إلَّا بعد إخراجِه منه. فأمَّا مَن أصاب الحدَّ فيه، فإنه لا خلافَ بينَ الجميعِ في أنه يُقامُ عليه فيه الحدُّ، فكلتا المسألتين أصلٌ مُجْمَعٌ على حكمِهما على ما وَصفْنا.

فإن قال لنا قائلٌ: وما دَلالتُك على أن إخراجَ العائذِ بالبيتِ إذا أتاه مستجيرًا به مِن جَريرةٍ جَرَّها، أو مِن حدٍّ أصابه، من الحرمِ جائزٌ لإقامةِ الحدِّ عليه، وأخْذِه بالجريرةِ، وقد أَقْرَرتَ بأنَّ اللَّهَ ﷿ قد جعَل مَن دَخَله آمنًا، ومعنى الآمن غيرُ معنى الخائفِ، فبما (١) هما فيه مُخْتَلِفانِ؟


(١) في م: "فيما".