الذين يَبْخَلون على الناسِ بفضلِ ما رزَقهم اللهُ مِن أموالِهم. ثم سائرُ تأويلِهما وتأويلِ غيرِهما سواءٌ.
وأَوْلَى الأقوالِ بالصوابِ فى ذلك ما قاله الذين قالوا: إن اللهَ وصَف هؤلاءِ القومَ الذين وصَف صفتَهم في هذه الآيةِ بالبخلِ، بتعريفِ مَن جهِل أمرَ محمدٍ ﷺ، أنه حقٌّ، وأن محمدًا للهِ نبىٌّ مبعوثٌ، وغيَر ذلك من الحقِّ الذي كان اللهُ تعالى ذكرُه قد بيَّنه فيما أوْحَى إلى أنبيائِه مِن كتبِه، فبخِل بتبيينِه للناسِ هؤلاء، وأمَروا مَن كانت حالُه حالَهم في معرفتِهم به أن يَكْتُموه مَن جهِل ذلك، ولا يُبَيِّنوه للناسِ.
وإنما قلنا: هذا القولُ أَوْلَى بتأويلِ الآيةِ؛ لأن اللهَ جل ثناؤه وصَفهم بأنهم يَأْمُرون الناسَ بالبخلِ، ولم يَبْلُغْنَا عن أُمَّةٍ مِن الأممِ أنها كانت تَأْمُرُ الناسَ بالبخلِ دِيانةً ولا تَخَلُّقًا، بل ترَى ذلك قبيحًا، ويُذَمُّ فاعلُه، ولا يُمْتَدَحُ؛ وإن هي تخلَّقت بالبخلِ واسْتَعْمَلته في أنفسِها، فالسخاءُ والجودُ تَعُدُّه مِن مكارمِ الأفعالِ، وتَحُثُّ عليه، ولذلك قلنا: إن بخلَهم الذى وصَفهم اللهُ به، إنما كان بخلاً بالعلمِ الذي كان اللهُ آتاهموه، فبخِلوا بتبيينِه للناسِ، وكتَموه دونَ البخلِ بالأموالِ، إلا أن يكونَ معنى ذلك: الذين يَبْخَلون بأموالِهم التى يُنْفِقُونها في حقوقِ اللهِ وسبلِه، ويَأْمُرون الناسَ مِن أهلِ الإسلامِ بتركِ النفقةِ في ذلك، فيكونُ بخلُهم بأموالِهم وأمرِهم الناسَ بالبخلِ، فهذا المعنى على ما ذكَرْنا مِن الروايةِ عن ابنِ عباسٍ، فيكونُ لذلك وجةٌ مفهومٌ في وصفِهم بالبخلِ، وأمرِهم به.
القولُ في تأويلِ قولِه: ﴿وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (٣٧)﴾.
يعنى بذلك جل ثناؤُه: ﴿وَأَعْتَدْنَا﴾: وجعَلْنا للجاحدينَ نعمةَ اللهِ التى أنْعَم بها عليهم مِن المعرفةِ بنبوَّةِ محمدٍ ﷺ، المكذَّبين به بعدَ علمِهم به، الكاتمين نَعْتَه